﴿فلا تولوهم الأدبار﴾ أي: لا تجعلوا ظهوركم مما يليهم، فهو نهي للمؤمنين عن الهزيمة إذا لقوا الكفار، فإنها من الكبائر، على ما ذكرناه في قوله تعالى: ﴿إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه﴾ في النساء (١).
﴿ومن يولهم يومئذ دبره﴾ يعني: منهزماً، بدليل قوله: ﴿إلا متحرفاً لقتال﴾، و"متحرفاً" نصب على الحال من الضمير المرفوع في ["يولّهم"] (٢)، ومثله: ﴿أو متحيزاً﴾ ويجوز أن يكون نصبهما على الاستثناء (٣)، على معنى: إلا رجلاً متحرفاً.
والمعنى: إلا متعطفاً لانتهاز فرصة يبادرها فَيَفِرّ ثم يكرّ، وهو ضرب من خدع الحرب لا تعده الأبطال عاراً ولا شناراً، وكذلك المتحيز وهو الذي ينضم إلى فئة، أي جماعة يعتصم بهم لا يكون توليه عن القتال عند العجز إثماً ولا عاراً أيضاً، بل ربما عَدُّوا الثابت في مركز القتال عند تيقن الهلكة وعدم النكاية في العدو سفهاً وخبلاً في العقل. والمعيّر حسان بن ثابت رضي الله عنه الحارث بن هشام رضي الله عنه حين فرّ يوم بدر وهو على دين قومه هزيمته وتركه نصر قومه فقال (٤) :
أنت كنت كاذبة الذي حدثتني... فنجوت منجا الحارث بن هشام
ترك الأحبة لم يقاتل دونهم... ونجا برأس طمرة ولجام
أجابه الحارث معتذراً فقال:
(٢)... في الأصل: توليهم.
(٣)... انظر: التبيان (٢/٥)، والدر المصون (٣/٤٠٨).
(٤)... انظر الأبيات في: المستدرك (٣/٣١٣)، وتهذيب الكمال (٥/٢٩٧)، والإصابة (١/٦٠٦)، والاستيعاب (١/٣٠١-٣٠٢).
(١/٣٨٦)