إبليس: بئس الرأي، تعمدون إلى رجل أفسد سفهاءكم فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم كما أفسدكم، ألم تروا حلاوة منطقه وطلاقة لسانه، فوالله لئن فعلتم ليجمعنّ عليكم ثم ليسيرنّ إليكم. قالوا: صدق والله الشيخ. فقال أبو جهل لعنه الله: والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره، إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش غلاماً وتعطوه سيفاً، ثم تضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل، فلا أظن هذا الحي من قريش -يعني بني هاشم- يقوى على حرب قريش كلها، فيقبلون العقْل (١) ونستريح. فقال إبليس: صدق هذا الفتى، وهو أجودكم رأياً، فتفرقوا على هذا الرأي. وأتى جبريل النبي - ﷺ - فأخبره بذلك، وأمره أن لا يبيت في مضجعه، وأذن الله له بالخروج إلى المدينة، وأمر علياً بالمبيت في مضجعه، وخلفه بمكة ليؤدي عنه الودائع التي توضع عنده لصدقه وأمانته، وخرج - ﷺ - مهاجراً هو وأبو بكر رضي الله عنه، وبات المشركون يحرسون علياً ظناً منهم أنه رسول الله - ﷺ -، فلما أصبحوا ثاروا إليه ليقتلوه. فلما رأوا علياً قالوا له: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره حين سمعوا الهاتف يقول (٢) :
جزى الله رب الناس خير جزائه... رفيقين حلاّ خيمتي أم معبد
هما نزلا بالهدى واهتدت به... لقد فاز من أمسى رفيق محمد
فيا لقصي ما زوى الله عنكم... به من فعال لا يجارى وسؤدد
(٢)... انظر الأبيات في: المستدرك (٣/١١)، ومجمع الزوائد (٦/٥٧)، وصفة الصفوة (١/١٤١)، والاستيعاب (٤/١٩٦٠)، وطبقات ابن سعد (١/٢٣١).
(١/٤١٧)