وقد ذكرنا في البقرة أن تحريم بداية مشركي العرب بالقتال في الشهر الحرام منسوخ عند أكثر العلماء.
وقيل: المعنى: لا تظلموا فيهن أنفسكم بترك قتال الكفار (١).
وقد روي عن ابن عباس: أن الضمير في قوله: ﴿فلا تظلموا فيهن﴾ يعود إلى قوله: ﴿اثنا عشر شهراً﴾ (٢).
والأول اختيار أكثر اللغويين والمفسرين.
وقال ابن الأنباري (٣) : العرب تعد الهاء والنون على القليل من العدد، والهاء والألف على الكثير منه، والقلة: ما بين الثلاثة إلى العشرة، والكثرة ما جاوز العشرة. يقولون: وجهت إليك أكبشاً فاذبحهن، وكباشاً فاذبحها، فلذلك قال: ﴿منها أربعة حُرُم﴾، وقال: ﴿فلا تظلموا فيهن أنفسكم﴾ لأنه يعني بقوله: "فيهن": الأربعة الأشهر (٤).
ومن قال أن الضمير في "فيهن" يعود إلى قوله: "اثنا عشر" فإنه ممكن؛ لأن العرب ربما جعلت علامة القليل للكثير، وعلامة الكثير للقليل.

(١)... وهو قول ابن بحر، وهو عكس قول مقاتل. انظر: الماوردي (٣/٣٦٠)، وزاد المسير (٣/٤٣٤).
(٢)... أخرجه ابن أبي حاتم (٦/١٧٩٢). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٣/٤٣٣)، والسيوطي في الدر المنثور (٤/١٨٧) وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٣)... انظر: زاد المسير (٣/٤٣٣).
(٤)... فائدة: قال ابن الجوزي في زاد المسير (٣/٤٣٤) : السرّ في أنّ الله تعالى عظّم بعض الشهور على بعض؛ ليكون الكفّ عن الهوى فيها ذريعة إلى استدامة الكف في غيرها، تدريجاً للنفس إلى فراق مألوفها المكروه شرعاً.
(١/٤٩٠)


الصفحة التالية
Icon