قال مقاتل بن حيان: كنت على قضاء سمرقند، فقرأت يوماً حديث المقبري عن أبي هريرة عن النبي - ﷺ -: "ثلاث من كنّ فيه فهو منافق: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"، فتوزع فلذي، وتقسم قلبي، وخفت على نفسي وعلى جميع الناس. فقلت: من ينجو من هذه الخصال؟ فأخللت بالقضاء وأتيت بخارى وسألت علماءها، فلم أجد فرجاً، فأتيت مرو فلم أجد فرجاً، فأتيت نيسابور فلم أجد عند علمائها فرجاً، فبلغني أن شهر بن حوشب بجرجان، فأتيته وعرضت عليه قصتي وسألته عن الخبر، فقال: يا أخي، أنا منذ سمعت هذا الحديث كالحية على المقلى خوفاً، فعليك بسعيد بن جبير فإنه مُتَوارٍ بالرّي (١)، فاطلبه واسأله فلعلك تجد لي ولك وللمسلمين فرجاً، فأتيت الري وطلبت سعيد بن جبير، وأتيته فعرضت عليه قصتي، وسألته عن معنى الخبر، فقال: أنا كديدان الحل في الخل منذ سمعت هذا الحديث، وإني خائف عليك وعلى نفسي من هذه الخصال، ولقد قاسيت وعانيت سفراً طويلاً وبلاءاً، فعليك بالحسن البصري، فإني أرجو أنك تجد لي ولك عنده وللمسلمين فرجاً، فأتيت البصرة وطلبت الحسن، وقصصت عليه القصة بطولها، قال: رحم الله شهراً وسعيداً، بلغهما نصف الخبر ولم يبلغهما النصف، إن رسول الله - ﷺ - لما قال هذا الخبر شغل قلوب أصحابه ملياً وهابوه أن يسألوه، فأتوا فاطمة عليها السلام وذكروا لها شغل قلوبهم بالخبر، فأتت فاطمة رسول الله - ﷺ - فأخبرته بشغل قلوب أصحابه، فأمر سلمان فنادى: الصلاة جامعة. فلما اجتمعوا صعد المنبر وقال: يا أيها الناس، إني كنت قلت لكم:

(١) الري: مدينة مشهورة، وهي محط الحاج على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال، بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخاً، وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخاً (معجم البلدان ٣/١١٦).
(١/٥٥٦)


الصفحة التالية
Icon