فإن قيل: ما الحكمة في نصب الميزان والله سبحانه وتعالى يعلم مقادير الأعمال؟
قلت: فيه حِكَم، منها: تأكيدُ الحجة وإظهارُ العدل وقطع المعذرة، ولأجل ذلك أثبتت أعمالهم في الصحائف، وشهدت عليهم الملائكة والأنبياء والجوارح (١).
قوله تعالى: ﴿ فمن ثقلت موازينه ﴾ هو من باب إطلاق الجمع على الواحد، كقوله: ﴿ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ﴾ [آل عمران: ١٧٣].
وقال الواحدي (٢) وأبو الفرج ابن الجوزي رحمهما الله (٣) : إنما قال: ﴿ موازينه ﴾ على الجمع؛ لأن "من" في معنى الجمع، ألا ترى أنه قال: ﴿ فأولئك هم المفلحون ﴾.
وقال الفراء (٤) : المراد بموازينه: وزنه. والعرب تقول: هل لك في درهم بميزان درهمك، ووزن درهمك.

(١)... انظر: زاد المسير (٣/١٧١). وفيه ذكر ابن الجوزي خمس حكم في نصب الميزان:
... أحدها: امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا.
... والثانية: إظهار علامة السعادة والشقاوة في الأخرى.
... والثالثة: تعريف العباد ما لهم من خير وشر.
... والرابعة: إقامة الحجة عليهم.
... والخامسة: الإعلام بأن الله عادل لا يظلم. ونظير هذا أنه أثبت الأعمال في كتاب، واستنسخها من غير جواز النسيان عليه.
(٢) الوسيط (٢/٣٥٠).
(٣) زاد المسير (٣/١٦٩).
(٤) معاني الفراء (٣/٢٨٧).
(١/٨٣)


الصفحة التالية
Icon