وقيل: "خلقناكم" يعني: الأرواح، "ثم صورناكم" يعني: الأجساد (١). حكاه القاضي أبو يعلى في كتاب المعتمد.
وقال الزجاج (٢) : زعم الأخفش (٣) أن "ثم" هاهنا في معنى الواو، وهذا خطأ لا يجيزه الخليل ولا سيبويه وجميع من يوثق بعلمه، إنما "ثم" للشيء الذي يكون بعد المذكور قبله لا غير، وإنما المعنى في هذا الخطاب ذكر ابتداء الخلق أولاً، فإنما المعنى: بدأنا خلق آدم عليه السلام ثم صورناه، فابتداء خلق آدم التراب، الدليل على ذلك قوله: ﴿ إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ﴾ [آل عمران: ٥٩]، فبدأ الله خلق آدم تراباً، وبدأ خلق حواء من [ضلع] (٤) من أضلاعه، ثم وقعت الصورة بعد ذلك، فهذا معنى: ﴿ خلقناكم ثم صورناكم ﴾، أي: هذا أصل خلقكم، ثم خلق ولده نطفاً ثم صُوِّرُوا. وهاهنا تمّ كلام الزجاج.
فإن قيل: فما تصنع بقوله: ﴿ ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ﴾ على الأقوال المروية عن ابن عباس وقول معمر؟
قلت: إما أن يقال بأن فيه تقديماً وتأخيراً، وإما أن يكون التقدير: ثم كنا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم. ﴿ فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين ﴾ لآدم تعظماً وتكبراً عليه وحسداً له.
(٢)... معاني الزجاج (٢/٣٢١-٣٢٢).
(٣)... معاني القرآن للأخفش (ص: ١٨٩).
(٤)... في الأصل: ظلع. والتصويب من معاني الزجاج (٢/٣٢١).
(١/٨٧)