قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآَتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ
﴿قال يا قوم أرأيتم﴾ أي: أخبروني ﴿إن كنت على بينة من ربي﴾ أي: يقين وبصيرة.
قال ابن الأنباري (١) :"إن كنتُ" شرط لا يوجب شكاً يلحقه، لكن الشك يلحق المخاطَبين من أهل الزيغ.
﴿وآتاني رحمة من عنده﴾ وهي النبوة.
فإن قيل: هل بين هذا الموضع وبين قول صالح: ﴿وآتاني منه رحمة﴾ فرق في المعنى؟
قلت: كلا، لكن هاهنا تقدمها قوله: ﴿ما نراك إلا بشراً مثلنا﴾، وقوله: ﴿وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا﴾، وقوله: ﴿بل نظنكم كاذبين﴾، فلما تقدمتها أفعال ثلاثة متعدية إلى مفعولين لا يحجز بينهما معمول فيه، أُجري هذا الفعل مجراها. وفي قصة صالح تقدمه: ﴿يا صالح قد كنت فينا مرجوّاً﴾ فوقع خبر "كان" الذي هو كالمفعول لـ"كان"، وقد تقدمه الجار والمجرور، وجرى جواب صالح في تقديم الجار والمجرور مجرى قولهم.
قوله تعالى: ﴿فَعَمِيَتْ عليكم﴾ أي: خَفِيَتْ عليكم. وقيل: عميتم عنها، فهو من المقلوب، كقولك: أدخلت القلنسوة في رأسي، وأدخلت القبر زيداً.

(١)... انظر: زاد المسير (٤/٩٦-٩٧).
(١/١٤٧)


الصفحة التالية
Icon