حين اغترّ المغترُّون فتأنَّيت بهؤلاء القوم لعلهم يستحيون مني ويرجعون، أُمطرُ عليهم السماء، وأُنبتُ لهم الأرض، وأُلبسهم العافية، وأُظهرهم على العدو، فلا يزدادون إلا طغياناً وبُعداً مني، فحتّى متى [هذا] (١)، أَبِي يتمرّسون أم إياي يخادعون؟ فإني أُقسم بعزّتي لأتيحنّ (٢) لهم فتنة يتحيّر فيها الحليم، وتَضِلُّ فيها حكمة [الحكيم] (٣)، لأُسلطنّ عليهم جباراً قاسياً عاتياً، أُلبسه الهيبة، وأنزعُ من صدره الرحمة، يتبعه عدد سواد مثل الليل المظلم، يعيدون العِرَان (٤) خراباً، والقرى وحشاً، ويتبّرون ما علو تتبيراً، قاسية قلوبهم، لا يرقّون ولا يرحمون، يجولون في الأسواق بأصوات مرتفعة مثل زئير الأسْد، فوعزتي لأعطِّلنّ بيوتهم من كتبي وقدسي، ولأخلينَّ مجالسهم من حديثها ودرسها، ولأوحشنّ مساجدهم من عمارتها، ولأبدلنَّ ملوكها بالعزّ الذل، وبالأمن الخوف، وبالغنى الفقر، وبالأرواح الطيبة جيف القتلى، وبلباس التيجان أطواق الحديد والسلاسل والأغلال، ثم لأرسنّهم بأنواع العذاب، حتى لو كان الكائن منهم في حالِقٍ لوَصَلَ ذلك إليه، إني إنما أكرم من أكرمني، وإنما أُهين من أهان عليه أمري، ثم لآمرنَّ السماء خلال ذلك فلتكونن طريقاً من حديد، ولآمرنَّ الأرض فلتكونن سبيكة من نحاس، فإن أمطرت خلال ذلك شيئاً سلطتُ عليه الآفة، فإن خلص منه شيء نزعت منه البركة، وإن دعوني لم أجبهم، وإن سألوني لم أعطهم، وإن بكوا لم أرحمهم، وإن
(٢)... في الطبري: لأقيضن.
(٣)... في الأصل: الحليم. والتصويب من الطبري (١٥/٣٨).
(٤)... العِرَان: الفناء (اللسان، مادة: عرن).
(١/١٣١)