عمرو -قال الحسن: ويا له من رجل ما كان أعقله-: أيها القوم! إني والله قد أرى الذي في وجوهكم، فإن كنتم غضاباً فاغضبوا على أنفسكم، دُعي القوم ودُعيتم، فأسرعوا وأبطأتم، أما والله لما سبقوكم به من الفضل أشدُّ عليكم فوتاً من بابكم هذا الذي تتنافسون عليه. ثم قال: أيها القوم! إن هؤلاء القوم قد سبقوكم بما ترون، ولا سبيل لكم إلى ما سبقوكم إليه، فانظروا هذا الجهاد فالزموه عسى الله أن يرزقكم شهادة، ثم نفض ثوبه فقام ولحق بالشام. قال الحسن: صدق والله! لا يجعلُ الله عبداً أسرعَ إليه كعبدٍ أبطأَ عنه (١).
ولقد صدق الحسن رضي الله عنه فيما وصف به سهيلاً من العقل، ولقد قام في الإسلام مقاماً عظيماً يوم توفي رسول الله - ﷺ - وماج أهل مكة، وارتد من ارتد من العرب، فقام خطيباً فقال: والله! إني لأعلم أن هذا الدين ممتد امتداد الشمس في طلوعها إلى غروبها، فلا يغرنكم هذا من أنفسكم، يعني: أبا سفيان، فإنه يعلم من هذا الأمر ما أعلم، ولكنه قد جَثَمَ (٢) على صدره حسدُ بني هاشم. فكان مقامه بمكة كمقام أبي بكر الصديق بالمدينة رضي الله عنهما.
قال الزبير بن بكار عن عمه مصعب عن نوفل بن عمارة: كان سهيل بن عمرو بعد أن أسلم كثير الصلاة والصوم والصدقة، وخرج بجماعة أهله إلا بنته هنداً إلى الشام، فجاهدوا حتى ماتوا كلهم (٣).
(٢)... جثم: الجاثمُ: اللازمُ مكانه لا يبرح (اللسان، مادة: جثم).
(٣)... الاستيعاب (٢/٦٧٢).
(١/١٤٥)