ويقولون: إن هذا قد أصاب كنزاً، فَفَرِقَ (١) منهم فَرَقاً شديداً، وظنَّ أنهم قد فَطِنُوا به، وأنهم يريدون أن يذهبوا به إلى الملك دقيانوس. فقالوا له: يا فتى من أنت؟ وما شأنك؟ والله لقد وجدتَ كنزاً وأنت تريد أن تخفيه، فشاركنا فيه وإلا أتينا بك إلى السلطان فنسلمك إليه، فلم يدر ما يقول. فطرحوا كساءه في عنقه، ثم جعلوا يقودونه في سكك المدينة مُلبَّباً (٢) والناس يقولون: رجلٌ عنده كنز، واجتمع أهل المدينة عليه ينظرون إليه وهو يبكي ويقول: فُرِّق بيني وبين إخوتي، يا ليتهم يعلمون ما لقيت، فانطلقوا به حتى أتوا رجلين صالحين كانا يدبّران أمر المدينة، فنظرا إلى الوَرِق ثم قالا: أين الكنز الذي وجدتَ يا فتى؟ فقال: والله ما وجدتُ كنزاً، ولكن هذا الوَرِق وَرِق آبائي ونقش هذه المدينة وضَرْبها، ولكني والله ما أدري ما شأني وما أدري ما أقول لكم. فقال أحدهما: من أنت؟ وما اسمك واسم أبيك؟ فأخبرهم، فلم يجدوا من يعرفه. فقال بعضهم: هذا مجنون. وقال بعضهم: ليس بمجنون، ولكنه يحمّق نفسه عمداً حتى ينفلت منكم، فقال أحدهما -ونظر إليه نظراً شديداً-: تظن أنك تسخر منا وخزائن هذه البلدة بأيدينا وأمر تدبيرها إلينا، وإني سآمر بك فتُعذبَ عذاباً شديداً حتى تعترف بهذا الكنز، فقال يمليخا: أنبئوني عن شيء أسألكم عنه، فإن فعلتُم صدقتُكم؟ قالوا: سَلْ؟ قال: ما فعل الملك دقيانوس؟ قالوا: لا يعرف اليوم على وجه الأرض ملك يسمى دقيانوس، ولم يكن إلا مَلِكٌ هلك منذ زمان ودهر طويل، وقد هلكتْ بعده قرون كثيرة. فقال يمليخا: والله ما صَدَقني أحد فيما أقوله، لقد كنا فتية وأكرهنا الملك دقيانوس
(٢)... لَبَّبَ الرَّجُلَ: جعل ثيابه في عُنُقِه وصدره في الخصومة، ثم قَبَضَه وجَرَّه (اللسان، مادة: لبب).
(١/٢٥٣)