غَفَلَ ليبسط له في العذر، غير أن الحديث الصحيح الذي أسلفنا (١) يدفع هذا التأويل ويبطله من أصله، وهو قوله عليه السلام: ((كانت الأولى من موسى نسياناً)) (٢)، فلو لم يرد به النسيان الذي [هو] (٣) بمعنى: الغفلة، لاتّحد المعنى في الجميع، ولما صَحَّ عنه الاعتذار بالنسيان في [المرة] (٤) الأولى.
﴿ولا ترهقني﴾ يقال: رَهِقَهُ الأمر؛ إذا غَشِيَه، وأرْهَقْتُه أمراً صعباً؛ كَلَّفْته إياه (٥). فالمعنى: لا تُكلّفني ولا تغشيني ﴿من أمري عسراً﴾ عسرة ومشقة، سأله عليهما السلام المسامحة والإغضاء والتثبت عليه.
فانطلقا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (٧٤) * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٧٥) قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا
قوله تعالى: ﴿فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله﴾ قال الزمخشري (٦) : إن قلت: لم قيل: ﴿حتى إذا ركبا في السفينة خرقها﴾ بغير فاء، و ﴿حتى إذا لقيا غلاماً فقتله﴾ بالفاء؟
قلت: جعل ﴿خَرَقَها﴾ جزاءً للشرط، وجعل قتله من جملة الشرط معطوفاً

(١)... في ب: أسلفناه.
(٢)... أخرجه البخاري (٤/١٧٥٢ ح٤٤٤٨)، ومسلم (٤/١٨٤٧-١٨٤٩ ح٢٣٨٠).
(٣)... زيادة من ب.
(٤)... في الأصل: مرة. والتصويب من ب.
(٥)... انظر: اللسان (مادة: رهق).
(٦)... الكشاف (٢/٦٨٧).
(١/٣٢٩)


الصفحة التالية
Icon