عصياً} وردّه أبواه إلى بيت المقدس، فكان إذا قام في الصلاة بكى، ويبكي زكرياء لبُكائه حتى يغشى عليه، فلم يزل كذلك حتى خرقت دموعه لحم خَدَّيْه وبدت أضراسه، فقالت له أمه: يا يحيى لو أذنت لي لاتخذت لك لبداً يواري أضراسك عن الناظرين؟ قال: أنت وذاك، فعمدت إلى قطعتي لبودٍ فألصقتهما على خَدَّيْه، فكان إذا بكى استنقعت دموعه في القطعتين، فتقوم أمه فتعصرهما، فكان إذا نظر إلى دموعه تجري على ذراعي أمه قال: اللهم هذه أمي وهذه دموعي وأنا عبدك وأنت الرحمن (١).
ويروى: أن زكرياء عليه السلام لما طلب يحيى في الجبال أتعبه ذلك وكَدَّه، فقال: اللهم إني سألتك ولداً يخلفني في قومي ويرفّهني، وقد رزقتني ولداً يُتعبني، فأوحى الله إليه: يا زكرياء، أنسيت دعاءك لي وقولك: ﴿واجعله رب رضياً﴾.
واذكر فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (١٦) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (١٧) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (١٨) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (١٩) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آَيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا
قوله تعالى: ﴿واذكر في الكتاب مريم﴾ أي: قصّ حديثها ﴿إذ انتبذت﴾ قال

(١)... ذكره ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث (ص: ٣٠١-٣٠٢).
(١/٤٠١)


الصفحة التالية
Icon