قوله تعالى: ﴿واذكر في الكتاب إبراهيم﴾ أي: اذكر لقومك قصته ﴿إنه كان صديقاً نبياً﴾ كثير الصدق والتصديق بالأنبياء وبما جاؤوا به من عند الله، وكان مع ذلك في نفسه نبياً.
﴿إذ قال لأبيه﴾ بدل من "إبراهيم" (١)، وما بينهما جملة اعتراضية.
ويجوز أن تكون "إذ" متعلقاً بـ"كان صديقاً نبياً"، أي: كان جامعاً بين هذين الوصفين حين جادل أباه (٢).
﴿يا أبتِ﴾ التاء عوض من ياء الإضافة، ولا يقال: يا أبتي؛ لئلا يجمع بين العوض والمعوض منه.
وفي قوله: "يا أبت" من الرفق واللطف والأدب الحسن والاستعطاف ما ليس بِخَاف.
﴿لم تَعبُدُ﴾ تذلّ وتخضع لـ ﴿ما لا يسمع﴾ إن تضرعت إليه ﴿ولا يبصر﴾ إن تذللت بين يديه ﴿ولا يغني عنك شيئاً﴾ إذا اعتمدت عليه.
ولما وَبَّخَه بما هو عليه من الضلال الفاضح، دعاه إلى الحق الواضح فقال: ﴿يا أبت إني قد جاءني من العلم﴾ بالله والمعرفة ﴿ما لم يَأْتِكَ﴾، وهذا أيضاً من أدبه الجميل، فإنه لم يَجْبَهْ (٣) أباه بما يأباه من وَصْم الوسم بالجهل.
﴿يا أبت لا تعبد الشيطان﴾ أي: لا تُطِعْه. ثم أغراه به فقال: {إن الشيطان كان

(١)... انظر: الدر المصون (٤/٥٠٩).
(٢)... مثل السابق.
(٣)... جَبَهَ الرجل يَجْبَهُه جَبْهاً: رَدَّه عن حاجته واستقبَله بما يكره، وجَبَهْتُ فلاناً: إذا استقبلته بكلام فيه غِلْظَة (اللسان، مادة: جبه).
(١/٤٢٤)


الصفحة التالية
Icon