للرحمن} الذي خلقك ورزقك ﴿عَصِيّاً﴾ المعنى: كيف تتخذه ولياً.
ثم إنه كشف قناع مُدَاجَاته (١) طمعاً في نجاته فقال: ﴿يا أبت إني أخاف﴾ أحذر عليك إن أطعت الشيطان ﴿أن يمسَّكَ عذاب من الرحمن فتكون للشيطان ولياً﴾ أي: قريناً في النار.
قال أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آَلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (٤٦) قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (٤٧) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا
قال صاحب الكشاف (٢) : لما أطلعه الله على سماجة صورة أمره، وهدم مذهبه بالحجج القاطعة، وناصحه المناصحة العجيبة مع تلك الملاطفات، أقبل عليه الشيخ بفظاظة الكفر وغلظة العناد، وناداه باسمه، ولم يُقابل "يا أبت" بـ"يا بني". وقَدَّم الخبر على المبتدأ في قوله: ﴿أراغب أنت عن آلهتي﴾ لأنه كان أهمّ عنده [وهو عنده أعنى] (٣)، وفيه ضرب من التعجّب والإنكار لرغبته عن آلهته، وأن آلهته ما ينبغي أن يَرغب عنها أحد. وفي هذا سلوان وثلجٌ لصدر الرسول - ﷺ - عما كان يلقى من مثل ذلك من كفار قومه.

(١)... المُداجاة: المُدَارَاة (اللسان، مادة: دجا).
(٢)... الكشاف (٣/٢٢).
(٣)... زيادة من الكشاف، الموضع السابق.
(١/٤٢٥)


الصفحة التالية
Icon