فلم [تُورِ] (١) المِقْدَحَة (٢) شيئاً، فبينا هو في [مزاولة] (٣) ذلك أبصر ناراً من بعيد عن يسار الطريق (٤).
وها أنا أسوق حديثه على ما أخرجه الإمام أحمد في كتاب الزهد قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدثنا عبد الصمد بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه قال: ((لما رأى موسى عليه السلام النار انطلق يسير حتى وقف منها قريباً، فإذا هو بنار عظيمة تفور من فرع (٥) شجرة خضراء شديدة الخضرة، لا تزداد النار فيما يرى إلا عِظَماً وتضرُّماً، ولا تزداد الشجرة على شدة الحريق إلا خُضرةً وحُسناً، فوقف ينظر لا يدري على ما يضع أمرها، إلا أنه قد ظن أنها شجرة تحترق، أوقد إليها موقد فنالها فاحترقت، وأنه إنما يمنع النار شدّةُ خُضرتها، وكثرة مائها، وكثافة ورقها، وعظم جذعها، فوضع أمرها على هذا، فوقف وهو يطمع أن يسقط منها شيء فيقتبسه، فلما طال عليه ذلك أهوى إليها بضِغْثٍ (٦) في يده وهو يريد أن يقتبس من لهبها، فلما فعل ذلك موسى مَالَتْ نحوَه كأنها تريده، فاستأخر عنها وهاب، ثم عاد فطاف بها، فلم تزل تُطمعه ويطمع فيها فلم يكن بأوشك من خمودها، فاشتد عند ذلك عجبه، وفكّر موسى في أمرها وقال: هي نار ممتنعة لا
(٢)... المقدحة: الحديدة التي يُقْدَحُ بها. وقيل: الحجر الذي يقدح به النار (اللسان، مادة: قدح).
(٣)... في الأصل: محاورة. والتصويب من ب، وزاد المسير (٥/٢٧٢).
(٤)... أخرج نحوه الطبري (١٦/١٤٢). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥/٢٧٢).
(٥)... في ب: فروع.
(٦)... الضِّغْث: الحُزمة من الحطب (انظر: اللسان، مادة: ضغث).
(١/٤٧٩)