والرِّجْل، فإن كل واحد من هذه الأعضاء مركَّبٌ على هيئة لا ينوب غيرها عنها، وفيه دقائق من الحكمة لا يتنبه لها إلا حُذّاق الأطباء، ولهذا قال بعضهم:
وَلَقَارِئُ التَّشْرِيحِ أَجْدَرُ بالتُّقَى... مِنْ عَابدٍ في مَسْجِدٍ مُتَبَتِّلِ
ما ذاك إلا لاطلاعه على عجائب قدرة الله ودقائق حكمته في تشريح خلق الحيوان، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وقد رُوي عن ابن عباس معنيان:
أحدهما: أعطى كل حيوان شكله وصورته، فأعطى الرجل المرأة، وأعطى البعير (١) الناقة، وأمثال ذلك (٢).
والثاني: أعطى كل نوع من أنواع الحيوان صورة مختصة به مغايرة لسائر أنواع الحيوان، فصورة الآدمي ليست كصورة الفَرَس، وليست كصورة الجَمَل (٣)، ونحو ذلك (٤).
وقرأتُ على الشيخ أبي البقاء وغيره للكسائي من رواية نصير عنه: "كل شيء خَلَقَهُ" بفتح اللام (٥)، جعله فعلاً ماضياً صفة للمضاف والمضاف إليه، وهي قراءة عمر بن الخطاب وابن عباس والأعمش.
والمعنى: ربنا الذي أعطى كل مخلوق له، فلم يَخْلُ من عطائه وإنعامه أحدٌ من

(١)... في ب: والبعير.
(٢)... انظر: الطبري (١٦/١٧١)، وابن أبي حاتم (٧/٢٤٢٤)، وزاد المسير (٥/٢٩١). وذكر نحوه السيوطي في الدر المنثور (٥/٥٨١) وعزاه لابن أبي حاتم.
(٣)... في ب: وصورة الفرس ليست كصورة الجمل.
(٤)... ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٥/٢٩١).
(٥)... إتحاف فضلاء البشر (ص: ٣٠٣).
(١/٥١٥)


الصفحة التالية
Icon