وأصل الفَرْض في اللغة: التأثير والحَزّ، ومنه: فُرْضَةُ النَّهر والقَوْس، ثم اتُسع فيه حتى استعمل في معنى الواجب المقطوع به (١).
﴿وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون﴾ سبق تفسيره.
قوله تعالى: ﴿الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة﴾ قرأ الأكثرون: "الزانيةُ" بالرفع على الابتداء. وقرأ جماعة منهم أبو رزين وعيسى بن عمر: "الزانيةَ" بالنصب (٢)، واختاره الخليل وسيبويه (٣)، على معنى: "اجلدوا الزانية".
وقال الزجاج (٤) : الرفع أقوى في العربية؛ لأن المعنى: من زنى فاجلدوه، فتأويله الابتداء.
فإن قيل: لم قَدَّم الزانية على الزاني، والمُذَكَّر أبداً يُقَدَّم، وباعتبار ذلك قُدِّمَ السارق على السارقة (٥) ؟
قلتُ: العرب أبداً تُراعي الأهم فتبدأ به، وذكْرُ الزانية أهم من الزاني؛ لأن عارها بالزنا أكثر، وحرصها عليه أشد، وقبحه في حقها أغلظ، [وقدرتها] (٦) عليه أتم، وباعتبار ذلك قُدِّمَ السارق؛ لأن العار والقبح في حقه أشد، وحرصه على السرقة أكثر، وقدرته عليها أتم.
قوله تعالى: ﴿فاجلدوا﴾ معنى الجَلْد: ضرب الجِلْد، يقال: جَلَدَهُ؛ إذا ضَرَبَ
(٢)... انظر هذه القراءة في: زاد المسير (٦/٥)، والدر المصون (٥/٢٠٨).
(٣)... انظر: الكتاب (١/١٤٤).
(٤)... معاني الزجاج (٤/٢٧-٢٨).
(٥)... في سورة المائدة عند قوله تعالى: ﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما﴾ [٣٨].
(٦)... في الأصل: قدرتها. والتصويب من ب.
(١/١٧٩)