أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ
قوله تعالى: ﴿وما أنزلنا على قومه من بعده﴾ أي: على قوم حبيب من بعد قتله ﴿من جُنْدٍ من السماء﴾ يعني: الملائكة.
قال مجاهد: المعنى: ما أنزلنا عليهم رسالة (١).
وقال الحسن: الملائكة الذين ينزلون بالوحي (٢).
والذي اعتمده المتأخرون من المفسرين: أن هذا إخبار من الله تعالى، لم يهلكهم بملائكة أنزلهم لإهلاكهم؛ إشعاراً بعظيم قدرته [وشدته] (٣) وقوته، وإعلاماً أنه لم يحتج في إهلاك أمة عظيمة ومدينة منيعة إلى أعوان وأنصار، بل أرسل إليهم مَلَكاً من ملائكته وهو جبريل عليه السلام، فأخذ بعضادتي باب المدينة وصاح بهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون هامدون كالنار إذا طفئت، ومنه قول لبيد:
وما المرءُ إلا كالشهابِ وضوئِهِ... يحورُ رماداً بعد إذ هُوَ سَاطِعُ (٤)

(١)... أخرجه مجاهد (ص: ٥٣٤)، والطبري (٢٣/١). وذكره الماوردي (٥/١٥).
(٢)... ذكره الماوردي (٥/١٥). وهو اختيار الطبري (٢٣/٢) قال: وهذا القول أولى بتأويل الآية، وذلك أن الرسالة لا يقال لها: جند، إلا أن يكون أراد مجاهد بذلك: الرُّسُل، فيكون وجهًا، وإن كان أيضًا من المفهوم بظاهر الآية بعيدًا، وذلك أن الرسل من بني آدم لا ينزلون من السماء. والخبر في ظاهر الآية عنه أنه لم ينزل من السماء بعد مَهْلِك هذا المؤمن على قومه جندًا وذلك بالملائكة أشبه منه ببني آدم.
(٣)... في الأصل: وشدة.
(٤)... البيت للبيد. انظر: ديوانه (ص: ١٦٩)، والهمع (١/١١٢)، والأشموني (١/٢٢٩)، والدر المصون (٦/٤٩٨)، والقرطبي (١٩/٢٧٣)، وزاد المسير (١/٢٢٦، ٦/٢٥٠، ٩/٦٥)، واللسان وتاج العروس (مادة: حور)، والعين (٣/٢٨٧).
(١/٣٢٦)


الصفحة التالية
Icon