فإن قيل: فما معنى قوله تعالى: ﴿وما كنا منزلين﴾ ؟
قلتُ: قد ذكروا جوابين:
أحدهما: أن المعنى: لم ينتصر منهم بِجندٍ من السماء وما كنا ننزله على الأمم إذا أهلكناهم كالطوفان [والصاعقة] (١) والريح. وهذا الذي اعتمده الواحدي (٢).
وليس بشيء.
الثاني: وما كان يصح في حكمنا أن ننزل في إهلاك قوم حبيب جُنْداً من السماء، وذلك لأن الله عز وجل أجرى هلاك كل قوم على بعض الوجوه دون بعض، وما ذلك إلا بناء على ما اقتضته الحكمة وأوجبته المصلحة، ألا ترى إلى قوله تعالى: ﴿فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً... الآية﴾ [العنكبوت: ٤٠]، وهذا كلام صاحب الكشاف (٣)، وهو الجواب.
ويحتمل عندي أن يكون قوله: ﴿وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء﴾ ؛ إعلاماً بسرعة انتقام الله تعالى منهم، وأنه لم يمهلهم زماناً ينزل عليهم فيه ملائكة الله الذين هم جنوده والموكَّلون بأهل الأرض ينزلون بأرزاقهم ويعرجون بأعمالهم ويحفظونهم بأمر الله تعالى، إلى غير ذلك، ﴿وما كنا منزلين﴾ مما لا بد للأحياء منه من الرزق والحفظ وغيرهما.
فـ"ما" الثانية على هذا موصولة. ويجوز أن تكون نافية، على معنى: وما كنا

(١)... في الأصل: والصاعة. والتصويب من الوسيط (٣/٥١٢).
(٢)... الوسيط (٣/٥١٢).
(٣)... الكشاف (٤/١٥).
(١/٣٢٧)


الصفحة التالية
Icon