الظرف في قوله: ﴿فمنه يأكلون﴾ للدلالة على أن الحَبَّ هو الشيء الذي يتعلق به معظم العيش ويقوم بالارتزاق، ومنه صلاح الإنس، وإذا قلّ جاء القحط ووقع الضرّ، وإذا فُقد حضر الهلاك ونزل البلاء.
قوله تعالى: ﴿ليأكلوا من ثمره﴾ سبق توجيه اختلاف القراء فيها في سورة الأنعام.
والضمير في "ثَمَرِه" يحتمل وجوهاً:
أحدها: أن يرجع إلى النخيل دون الأعناب؛ كقوله تعالى: ﴿ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به﴾ [النساء: ١١٢]، وكقوله تعالى: ﴿والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله﴾ [التوبة: ٣٤]. وقد قررنا أمثاله فيما مضى.
الثاني: أن يرجع إلى الله تعالى، على معنى: ليأكلوا مما خلقه الله تعالى من الثمر، وما عملته أيديهم من الغرس والسقي والآبار وغير ذلك حتى بلغ منتهاه. يشير إلى أن الثمر في نفسه فعل الله تعالى، وفيه آثار من عمل بني آدم.
وكان الأصل أن يقال: ليأكلوا من ثمرنا؛ لقوله تعالى: ﴿وجعلنا﴾ ﴿وفجرنا﴾ غير أنه رجع إلى الغيبة، على ما تقدم ذكره في غير موضع.
الثالث: أن يراد: ليأكلوا من ثمره المذكور، وهو الجنات، كما قال رؤبة:
فيها خُطوطٌ من بياضٍ وبَلَقْ... كأنه في الجلدِ تَوليعُ البَهَقْ (١)
فقيل له، فقال: أردت: كأن ذلك.

(١)... البيت لرؤبة بن العجاج. انظر: ديوانه (ص: ١٠٤)، والمحتسب (٢/١٥٤)، ومجالس العلماء (ص: ٢٧٧)، ومجاز القرآن (١/٤٣)، ومجالس ثعلب (٢/٣٧٥)، واللسان (مادة: بهق)، والبحر (٣/١٦٩، ٧/٣٢٠)، والدر المصون (١/٢٥٦، ٢/٣٠٦، ٥/٤٨٤).
(١/٣٣٣)


الصفحة التالية
Icon