﴿كتاب﴾ أي: هذا كتاب، يعني القرآن ﴿أنزلناه إليك مبارك﴾ كثير خيره.
﴿ليَدَّبَّرُوا ءاياته﴾ وقرأتُ لأبي جعفر ولعاصم من طريق: "لتَدَبَّرُوا" بتاء المخاطبة وتخفيف الدال (١).
والمعنى: ليتفكروا فيها ويستخرجوا مكنون سرّها ويعملوا بما فيها.
﴿وليتذكر أولوا الألباب﴾ قال الحسن: قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله، حفظوا حروفه وضيّعوا حدوده، حتى إن أحدهم ليقول: والله لقد قرأتُ القرآن فما أسقطت منه حرفاً، وقد والله أسقطه كله، ما يرى القرآن عليه أثر في خلق ولا عمل، والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده، والله ما هؤلاء بالحكماء ولا [الوَرَعَة] (٢)، لا كَثَّر الله تعالى في الناس مثل هؤلاء (٣).
قوله تعالى ﴿إذ عرض﴾ أي: اذكر إذ عرض ﴿عليه بالعشي﴾ بعد العصر ﴿الصافنات الجياد﴾.
قال ابن عباس: الخيل السوابق إذا وقفت صَفَنَتْ على أطراف حوافرها عُرضت عليه حتى شغلته عن صلاة العصر إلى أن غابت الشمس (٤).
(٢)... في الأصل: الوزعة. والتصويب من المصادر التالية.
(٣)... أخرجه ابن المبارك في الزهد (ص: ٢٧٤ ح٧٩٣)، وسعيد بن منصور في سننه (٢/٤٢٠ ح١٣٥)، والبيهقي في الشعب (٢/٥٤١ ح٢٦٥٣).
(٤)... ذكره الواحدي في الوسيط (٣/٥٥١).
... وقال ابن كثير: ذكر غير واحد من السلف والمفسرين أنه اشتغل بعرضها حتى فات وقت صلاة العصر، والذي يقطع به: أنه لم يتركها عمداً بل نسياناً، كما شغل النبي - ﷺ - يوم الخندق عن صلاة العصر حتى صلاها بعد الغروب، وذلك ثابت في الصحيحين من غير وجه، ويحتمل أنه كان سائغاً في ملَّتهم تأخير الصلاة لعذر، والأول أقرب؛ لأنه قال بعدها: ﴿ردوها علي فطفق مسحاً بالسوق والأعناق﴾، وذهب ابن جرير إلى أنه ذهب يمسح عراقيب الخيل وأعرافها؛ لأنه لم يكن له أن يعذب حيواناً بالعرقبة ويهلك مالاً من ماله بلا سبب، وخالفه ابن كثير لاحتمال أن يكون مثل هذا جائزاً في شرعهم ولا سيما إذا كان غضباً لله، ولذلك عوضه الله بما هو خير منها من الريح التي هي أسرع من الخيل. اهـ (انظر: تفسير ابن كثير ٤/٣٤-٣٥).
(١/٤٨٣)