قال الله تعالى منكراً عليهم معجباً من احتكامهم: ﴿أهم يقسمون رحمة ربك﴾ يعني: النبوة فيضعونها بجهلهم حيث شاؤوا ﴿نحن قسمنا بينهم معيشتهم﴾ يعني: نحن قسمنا بينهم أرزاقهم ولم نَكِلَ ذلك إلى أحد، فكيف بأمر النبوة؟.
قال قتادة: إنك لتلقاه ضعيف الحيلة، عيي اللسان، قد بسط له في الرزق، وتلقاه شديد الحيلة، بسيط اللسان، وهو مقدور عليه (١).
﴿ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات﴾ هذا قوي وهذا ضعيف، وهذا حُر وهذا رقيق، وهذا غني وهذا فقير، وهذا عزيز وهذا ذليل. ولم تقتض حكمتنا التسوية بينهم.
﴿ليتخذ بعضهم بعضاً سخرياً﴾ فيملك الحر الرقيق، ويستأجر الغني الفقير، ويستسخر الناس بعضهم بعضاً في أسباب معايشهم، ولو جعلناهم في القوة والغنى، والعزة وغيرها سواء؛ لم ينتظم أمر العالم.
﴿ورحمة ربك﴾ التي هي النبوة ﴿خير﴾ أفضل وأعظم ﴿مما يجمعون﴾ من الأموال.
فإذا كانوا في تدبير المعيشة الدنية الدنيوية على هذه الصفة المذكورة، فما ظنهم بتدبير أمر الكتاب والنبوة، والأحكام الدينية.
والمقصود من هذا كله: [تجهيلهم] (٢) في قولهم: ﴿لولا نزل... الآية﴾.

(١)... أخرجه الطبري (٢٥/٦٧). وذكره الماوردي (٥/٢٢٣)، والسيوطي في الدر (٧/٣٧٥) وعزاه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وفيهما:... سليط اللسان، وهو مقتور عليه.
(٢)... في الأصل: تجهلهم.
(١/١١٧)


الصفحة التالية
Icon