وأما انتصاب "واحداً"؛ فإن شئت جعلته حالاً من الضمير في ["مِنَّا" (١) أي: أيُنَبَّأُ بَشَرٌ كائن مِنَّا؟ والناصب لهذه الحال الظرف، كقولك: زيد في الدار جالساً.
وإن شئت جعلته حالاً من الضمير في] (٢) قوله: "نَتَّبِعه" (٣)، أي: نتبعه واحداً منفرداً لا ناصر له.
وقال الزمخشري (٤) : قرئ: "أبشرٌ منا واحدٌ" على الابتداء، و"نتبعه" خبره.
فإن قيل: ما مرادهم بقولهم: "منا"؟
قلتُ: الذي يظهر لي: أنهم أرادوا انتظامه معهم في سلك المساواة في البشرية والقبيلة، كأنهم قالوا: نتبع بشراً، ثم مع كونه بشراً هو رجل منا لا امتياز له علينا بوجه من الوجوه.
وقَلَّ أن ترى مثل هذا التدقيق والتحقيق في تفسير، فإذا قرأته فادْعُ بالرحمة والمغفرة لمن أسهَر فيه ناظره، وأتعب في استثماره خاطره.
واعلم أنني بعد ذلك رأيت بعض نَحارِير (٥) العلماء قد ألمّ بهذا المعنى، فحمدتُ الله على مماثلته في التوفيق، [لإصابة] (٦) جهة التحقيق.
﴿إنا إذاً﴾ إن فعلنا ذلك ﴿لفي ضلال﴾ عن الصواب ﴿وسُعُر﴾ أي: جنون.

(١)... أي الضمير المستقر في متعلقه.
(٢)... ما بين المعكوفين زيادة من المحتسب (٢/٢٩٨-٢٩٩).
(٣)... انظر: التبيان (٢/٢٥٠)، والدر المصون (٦/٢٢٩).
(٤)... الكشاف (٤/٤٣٧).
(٥)... النحارير: جمع نحرير، وهو الرجل الفَطِن المُتقن البصير في كل شيء، أو الحاذق الماهر العاقل المجرِّب (اللسان، مادة: نحر).
(٦)... في الأصل: والإصابة. والتصويب من ب.
(١/٥٢٤)


الصفحة التالية
Icon