"ما" هذا التقدير فإثبات الفاء وحذفها جائزان على معنيين مختلفين، أما إذا ثبتت الفاء ففي إثباتها دليل على أن الأمر الثاني وجب بالأول، وذلك نحو قوله تعالى: ﴿الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار﴾ [البقرة: ٢٧٤]، ثم قال تعالى: ﴿فلهم أجرهم﴾ [البقرة: ٢٧٤] فثبات الفاء يدل على أن وجوب الأجر إنما [هو] (١) من أجل الإنفاق، ومثل ذلك قوله تعالى: ﴿وما بكم من نعمة فمن الله﴾ [النحل: ٥٣]، وإذا لم تذكر الفاء جاز أن يكون الثاني وجب للأول، وجاز أن يكون لغيره.
قال (٢) : والأولى إذا كان جزاءً غير جازم -يعني: أن تكون "ما" بمعنى: الذي- أن تثبت الفاء؛ كقوله تعالى: ﴿ما أصابك من حسنة فمن الله﴾ [النساء: ٧٩].
واختلفت أقوال المفسرين في معنى الآية، فقال الحسن البصري: وما أصابكم من الحدود على المعاصي فبما كسبت أيديكم (٣).
وقال غيره: المعنى ما أصاب المؤمن من مكروه في نفس أو مال أو ولد أو غيره فبما كسبت يده من الذنوب.
قال مرة الهمداني: رأيتُ على كف شريح قرحة فقلت: يا أبا أميّة ما هذا؟ قال: بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير (٤).
وقال أحمد بن أبي الحواري: قيل لأبي سليمان الداراني: ما بال العقلاء أزالوا

(١)... زيادة من الحجة (٣/٣٦٣).
(٢)... أي: أبو علي الفارسي في الحجة (٣/٣٦٣).
(٣)... أخرجه الطبري (٢٥/٣٢-٣٣). وذكره الماوردي (٥/٢٠٤)، والسيوطي في الدر (٧/٣٥٥) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر.
(٤)... أخرجه الثعلبي (٨/٣٢٠).
(١/٧٩)


الصفحة التالية
Icon