فصلاح المتولين للولايات الكبرى والصغرى عنوان صلاح الأمة وضده بضده.


ثم أرشدهم الله إلى الحكم بين الناس بالعدل الذي ما قامت السموات والأرض إلا به، فالعدل قوام الأمور وروحها، وبفقده تفسد الأمور كلها ويختل الميزان لكل شيء.
والحكم بالعدل من لازمه معرفة العدل في كل أمر من الأمور، فإن فهمت الأمة حقيقة العدل وعرفت حدوده وضعت كل شيء في موضعه، وكان المتولون للولايات هم الكمل من الرجال والأكْفاء للأعمال فَجَرَتْ تدابيرهم وأفعالهم على العدل والسداد، متجنبين للظلم والفساد، ترقت الأمة وصَلَحت أحوالها، وتمام ذلك في الآية الأخرى التي أمر الله فيها بطاعة ولاة الأمور بقوله:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، [ النساء: ٥٩]، فهل يوجد أكمل وأغنى من هذه السياسة الحكيمة الرشيدة التي عواقبها أحمد العواقب ؟.
ومن الآيات المتعلقة بالسياسة الشرعية: جميع الآيات التي شرع الله فيها الحدود على الجرائم، العقوبات على المتجرئين على حقوقه وحقوق عباده وهي في غاية العدالة والحسن وردع المجرمين والنكال والتخويف لأهل الشر والفساد، وتطهير المجتمع من فسادهم، وتنقيته من جرائمهم صيانة لدماء الخلق وأموالهم وأعراضهم.
والآيات التي فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتكلم بالحق مع من كان وفي أي حال من الأحوال.
وكذلك ما فيها من النهي عن الظلم فيه إرشاد لإعطاء الناس الحرية النافعة التي معناها التكلم بالحق، والدعوة إلى الصالح للأمة، وفي الأمور التي لا محظور فيها، كما أن الحدود والعقوبات والنهي عن الكلام القبيح والفعل القبيح فيها رد الحرية الزائفة الكاذبة الباطلة التي يتشدق بها الحمقى والسفهاء الذي عموا وصموا، فلا يرون ما حل بأمم الغرب من الدمار من ثمرات هذه الحرية الفاجرة الخاسرة. إن ميزان الحرية الصحيحة النافعة هو ما أرشد إليه القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon