اللغَة: ﴿غَافِرِ﴾ الغفْر: السترُ والمحو والتكفير ﴿الطول﴾ الإِنعام والتفضل ﴿يُدْحِضُواْ﴾ يبطلوا ويزيلوا، يقال: الباطلُ داحضٌ، لأنه يزلق ويزل فلا يستقر ﴿حَقَّتْ﴾ وجبت ولزمت ﴿مَقْتُ﴾ المقت: شدة البغض ﴿الروح﴾ الوحيُ والنبوة سمي رُوحاً لأن القلوب تحيا به كما تحا الأبدان بالأرواح ﴿التلاق﴾ الاجتماع في الحشر ﴿بَارِزُونَ﴾ ظاهرون لا يسترهم شيء ﴿الأزفة﴾ اسم للقيامة سميت آزفة لقربها، يقال أزف الشيء إذا اقترب ﴿وَاقٍ﴾ دافع يدفع عنهم العذاب.
التفسِير: ﴿حم﴾ الحروف المقطَّعة للتنبيه على إعجاز القرآن، وللإِرشاد على أن هذا القرآن المعجز منظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية ﴿تَنزِيلُ الكتاب مِنَ الله﴾ أي هذا القرآن تنزيلٌُ من الله ﴿العزيز العليم﴾ أي العزيز في ملكه، العليم في خلقه ﴿غَافِرِ الذنب وَقَابِلِ التوب﴾ أي الذي يعفو عن ذنوب العباد، ويقبل توبة العصاة لمن تاب منهم وأناب ﴿شَدِيدِ العقاب﴾ أي شديد العقاب لمن تكبر وطغى، وأعرض عن طاعة المولى ﴿ذِي الطول﴾ أي ذي الفضل والإِنعام ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا معبود بحقٍ إلا الله، ولا ربَّ في الوجود سواه ﴿إِلَيْهِ المصير﴾ أي إليه وحده مرجع الخلائق فيجازيهم بأعمالهم، وإنما قدَّم المغفرة والتوبة على العقاب، للإِشارة إلى سعة الفضل وأن رحمته سبقت عذابه، ثم لما ذكر أن القرآن هداية الله للعالمين، أعقبه بذكر المجادلين المعاندين فقال ﴿مَا يُجَادِلُ في آيَاتِ الله إِلاَّ الذين كَفَرُواْ﴾ أي ما يدفع الحق ويجادل في هذا القرآن بعد وضوح آيات وظهور إعجازه إلا الجاحدون لآياتِ الله، المعاندون لرسله ﴿فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي البلاد﴾ أي فلا تغترَّ أيها العاقل بتصرفهم وتقلبهم في هذه الدنيا، بالمساكن والمزارع، والممالك والتجارات، فإنهم أشقى الناس، وما هم عليه من النعيم متاعٌ قلي، وظلٌ زائل، فإِني وإِن أمهلتهم لا أهملُهم، بل آخذه بعد ذلك النعيم أخذ عزيز مقتدر قال في التسهيل: والآية تسليةٌ للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ووعيدٌ شديد للكفار ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ والأحزاب مِن بَعْدِهِمْ﴾ أي كذَّب قبل كفار مكة أقوام كثيرون، منهم قوم نوح والأمم الذين تحزبوا على أنبيائهم ولم يقبلوا ما جاءوا به من عند الله كقوم عاد وثمود وفرعون وأمثالهم ﴿وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ﴾ أي وهمت كل أمةٍ من الأمم المكذبين أن يقتلوا رسولهم ويبطشوا به قال ابن كثير: أي حرصوا على قتله بكل ممكن ومنهم من قتل رسوله ﴿وَجَادَلُوا بالباطل لِيُدْحِضُواْ بِهِ الحق﴾ أي جادلوا رسلهم بالباطل ليزيلوا ويبطلوا به الحق الواضح الجلي ﴿فَأَخَذْتُهُمْ﴾ أي فأهلكتهم إهلاكاً مريعاً ﴿فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ استفهام تعجيب أي فكيف كان عقابي لهم؟ ألم يكن شديداً فضيعاً؟ ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الذين كفروا﴾ أي وكذلك وجبت