اللغَة: ﴿كَادِحٌ﴾ الكدح: الجد والاجتهاد وجهد النفس في العمل قال الشاعر:

ومضتْ بشاشةُ كل عيشٍ صالح وبقيتُ أكدحُ للحياةِ وأنصب
﴿يَحُورَ﴾ يرجع يقال: حار يحور إِذا رجع ومنه حديث «أعوذ بك من الحور بعد الكور» أي الرجوع إِلى النقصان بعد الزيادة ﴿الشفق﴾ الحمرة التي تكون بعد مغيب الشمس ﴿وَسَقَ﴾ جمع وضم ولف ﴿اتسق﴾ اجتمع وتكامل وتم نوره ﴿مَمْنُونٍ﴾ مقطوع.
التفسِير: ﴿إِذَا السمآء انشقت﴾ هذه الآيات بيان لأهوال القيامة، وتصويرٌ لما يحدث بين يدي الساعة من كوارث وأهوال يفزع لها الخيال والمعنى: إِذا تشققت السماء وتصدَّعت مؤذنة بخراب الكون قال الألوسي: تنشق لهول يوم القيامة ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ أي واستمعت لأمر ربها وانقادت لحكمه وحُقَّ لها أن تسمع وتطيع وأن تنشق من أهوال القيامة ﴿وَإِذَا الأرض مُدَّتْ﴾ أي وإِذا الأرض زادت سعة بإِزالة جبالها وآكامها، وصارت مستوية لا بناء فيها ولا وهاد ولا جبال ﴿وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ﴾ أي رمت ما في جوفها من الموتى والكنوز والمعادن وتخلت عنهم قال القرطبي: أخرجت أماتها وتخلت عنهم، وألقت ما في بطنها من الكنوز والمعادن كما تلقى الحامل ما في بطنها من الحمل، وذلك يؤذن بعظم الهول ﴿وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ﴾ أي واستمعت لأمر ربها وأطاعت، وحٌقَّ لها أن تسمع وتطيع.. وجواب ﴿إِذَا﴾ محذوف ليكون أبلغ في التهويل أي إِذا حدث كل ما تقدم، لقي الإِنسان من الشدائد والأهوال، ما لا يحيط به الخيال.. ثم أخبر تعالى عن كدِّ الإِنسان وتعبه في هذه الحياة، وأنه يلقى جزاءه عند الله فقال ﴿ياأيها الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ﴾ الخطاب عام لكل إِنسان أي أنت يا ابن آدم جاهدٌ ومجدٌّ بأعمالك التي عاقبتها الموت، والزمانُ يطير وأنت في كل لحظة تقطع شوطاً من عمرك القصير، فكأنك سائر مسرعٌ إِلى الموت، ثم تلاقي ربك فيكافئك على عملك، إِن كان خيراً فخيرٌ، وإشن كان شراً فشرٌّ قال في البحر: كادحٌ أي جاهد في عملك من خير وشر طول حياتك إِلى لقاء ربك، فملاقٍ جزاء كدحك من ثوابٍ وعقاب.. ثم ذكر تعالى انقسام الناس إِلى سعداء وأشقياء وإِلى من يأخذ كتابه بيمينه، ومن يأخذ كمتابه بشماله فقال ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ أي فأما من أعطي كتاب أعماله بيمينه، وهذه علامة السعادة ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً﴾ أي فسوف يكون حسابه سهلاً هيناً، يُجازي على حسناته،


الصفحة التالية
Icon