القاعدة الحادية والخمسون: كلّما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء، والنهي عن دعاء غير الله، والثناء على الداعين: يتناول دعاء المسألة، ودعاء العبادة
وهذه قاعدة نافعة، فإن أكثر الناس إنما يتبادر لهم من لفظ الدعاء والدعوة: دعاء المسألة فقط، ولا يظنون دخول جميع العبادات في الدعاء.
ويدل على عموم ذلك: قوله تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: من الآية٦٠]،
أي أستجب طلبكم، وأتقبل عملكم ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾، [غافر: من الآية٦٠]، فسمى ذلك عبادة، وذلك لأن الداعي دعاء المسألة يطلب مسئوله بلسان المقال، والعابد يطلب من ربه القبول والثواب، ومغفرة ذنوبه بلسان الحال.
فلو سألت أي عابد مؤمن: ما قصدك بصلاتك وصيامك وحجك وأدائك لحقوق الله وحق الخلق؟ لكان قلب المؤمن ناطقاً ـ قبل أن يجيبك لسانه -: بأن قصدي من ذلك رضى ربي ونيل ثوابه والسلامة من عقابه، ولهذا كانت النية شرطاً لصحة الأعمال وقبولها، وإثمارها الثمرة الطيبة في الدنيا والآخرة.
وقال تعالى: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّين﴾ [غافر: من الآية١٤]، فوضع كلمة: ﴿الدِّين﴾، موضع كلمة ﴿العبادة﴾، وهو في القرآن كثير جداً: يدل على أن الدعاء هو لب الدين وروح العبادة.
ومعنى الآية هنا: أخلصوا له إذا طلبتم حوائجكم، وأخلصوا له أعمال البر والطاعة.
وقد يقيد أحياناً بدعاء الطلب، كقوله: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: ١٠]، وأما قوله:
﴿وَإِذَا مَسَّ الإنسان الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً..﴾ [يونس: من الآية١٢]، الآية، فيدخل فيه دعاء الطلب، فإنه لا يزال ملحاً بلسانه، سائلاً دفع ضرورته، ويدخل فيه دعاء العبادة فإن قلبه في هذه الحال يكون راجياً طامعاً، منقطعاً عن غير الله،


الصفحة التالية
Icon