بلدنا سنة أربع وثمانين وأربعمئة (١)، ووقع علينا من تلك الحوادث ما كان مدة أسفَّ (٢) فوقنا، وصاب بأرضنا شؤبوب فتنة يا طال ما دارت سحابة بنا، فانصدع الالتئام، وتعدد ذلك النظام، وكان لنا خيرةً وللِإسلام، ولم يكن بأرضنا المُقَام.
ذكر الرحلة في طلب العلم
فدعت الضرورة إلى الرحلة، فخرجنا والأعداء يشمتون بنا، وآيات القرآن تَنْزعُ لنا، وفي علم الباري جلت قدرته أنه ما مر عَلَيّ يوم من الدهر كان أعجبَ عندي من يوم خروجي من بلدي، ذاهباً إلى ربي، ولقد كنت مع غزارة السبيبة (٣)، ونضارة الشبيبة، أحْرصُ على طلب العلم في الآفاق، وأتَمَنَّى لَهُ حَالَ الصَّفَّاقِ الأفَّاقِ (٤)، وأرى أن التمكن من ذلك في جنب ذهاب الجاه والمال، وبُعْدِ الأهل بتغير الحال، ربح في التجارة، ونُجح في المطلب. وكان الباعث على هذا التشبث -مع هول الأمر- همة لزمت، وعزمة لجمت (٥)، ساقتها رحمة سبقت.

(١) كان دخول المرابطين للعاصمة العبّادية "إشبيلية" يوم الأحد ٢٠ رجب: ٤٨٤ علي يد القائد الكبير الأمير سير بن أبي بكر اللمتوني الذي عقد له يوسف بن تاشفين على الإمارة بسبتة.
انظر: تاريخ ابن خلدون ٦/ ٣٨٥ والمعجب للمراكشي: ١٤٠.
(٢) أي دَنَا.
(٣) السبيب هو شعر الناصية أو الخصلة من الشعر.
(٤) أي يتمنى حال من يضرب آفاق الأرض مكتسباً للعلم والمعرفة، والصفات هو كثير الأسفار، وقيل الصفيق والأفق متقاربان، انظر: ابن الأثير: منال الطالب: ١٢٤.
(٥) أي عقد العزم.


الصفحة التالية
Icon