ذكر المعرفة بأمير المؤمنين حين كان عوناً على طلب علم الدين
وكان أبو الحسن المبارك بن سعيد البغدادي (١) قد ورد علينا تاجراً سنة ثلاث وثمانين وأربعمئة، فأنزله المعتمد بن عباد (٢) عندنا، فأكرمه أبي غاية الِإكرام، وعقد عليه مجلسنا في السماع، وتخلى له عن مناظرته في مسجده، وصدر الرجل عنا راضياً، فبينا نحن نمشي بعد ورودنا مدينة السلام بأيام قلائل في سوق الريحانيين (٣) بها، إذ لقينا أبا الحسن بن الخشاب المذكور فعانقنا ودعا لنا وقال: ها هنا أنتم، وكيف جئتم؟ فرس له أبي الحديث وبقر له عن النجيث، فمشى إلى الوزير عميد الدولة ابن جهير (٤)، فأعلمه بنا، وكنا قد حملنا من دمشق كتاب واليها وجماعة من رؤسائها إلى الوزير عميد الدولة، وكتاب القاضي نجم القضاة الشهرستاني (٥). بالتقريض لنا والتنبيه على مكاننا، فدخلنا الديوان إلى الوزير، ووقف على ما كان عندنا، ورفع

(١) هو أبو الحسن الأسدي، ويعرف بابن الخَشّاب، من العلماء الذين اشتغلوا بالتجارة، وكان من أهل الثقة والصدق والثروة، حدث عن كثير من العلماء في الأندلس ومصر والعراق. وتوفي ببغداد سنة: ٤٩٠، انظر ترجمته: ابن بشكوال: الصلة ٢/ ٦٣٤، الضبي: بغية الملتمس: ٤٦٧.
(٢) هو محمد بن عباد بن محمد بن إسماعيل اللَّخْمِي، الملقب بالمعتمد، صاحب إشبيلية وقرطبة وما والاهما. ويعتبر من أعظم ملوك الطوائف، استوزر المثقفين والأدباء ومنهم والد فقيهنا ابن العربي، (ت: ٤٨٨)، انظر ترجمته: الضبي: بغية الملتمس: ١١٨، ابن الأثير: الكامل: ٨/ ١٧٧.
(٣) أعظم سوق بمدينة بغداد في الجهة الشرقية منها. رحلة ابن بطوطة: ٢٢٥.
(٤) هو أبو منصور محمد بن محمد بن جهير، استوزر لخليفتين، وكان نظام الملك يُعظِّمُه ويُجِله كثيراً، وزوجه ابنته زُبَيْدَة، كانت نهايته مؤسفة سنة: ٤٩٢. انظر ترجمته: ابن خلكان: وفيات الأعيان: ٥/ ١٣١، ابن الأثير: الكامل: ٨/ ١٩٥.
(٥) لم أتمكن من معرفته فالله أعلم به.


الصفحة التالية
Icon