وخص الشجرة بالبركة، لأن العلم يدعو بعضه إلى بعض، ويدل معنى منه على معنى، والبركة هي النماء والزيادة (١).
وإنما أردنا أن نريكم نوعاً من التفسير، ونشرع لكم سبيلاً في فن من فنون التأويل، ونوضح لكم عن مشكل من التوحيد، ونعقد عندكم وصلًا من ربط المعاني بعضها إلى بعض، ونخلع لكم قشراً من الظواهر عن لباب الباطن.
ذكر تمام الوصول إلى المقصود من معرفة النفس والرب
وهيهات عنكم من هذا المطلوب إن كنتم تظنون أنه يكفيكم ما تقدم فيه، حتى يكونَ كل منكم جدَّ بصير بنفسه وتفاصيلها وأحوالها وصفاتها، فبقدر ما يحصل لك منها في معرفة نفسك بذلك القدر، يحصل لك من معرفة ربك، وفي هذا المقام زَلَّ مَنْ زَلَّ عن معرفة نفسه، فَضَلَّ عن علم ربه، ولا تتم معرفتك لنفسك إلا بعد أن تنعم النظر في عجائب صنع الله فيها، فهيت لكم.
إنه تعالى خلقك -كما أشرنا إليه- على نوعين: مدرك بالبصر وهو الجسد، ومدرك بالبصيرة وهو الروح، وجعل ما بين الجسد والروح رابطة الحواس، وبذلك انتظم الخلق وقام الدليل على وجود الحق، وقد قال سبحانه: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا﴾ [الشمس: ٧ - ٨] (٢).

(١) انظر الأحكام للمؤلف: ١٣٨٨.
(٢) عَلَّقَ المؤلف على هذه الآية فقال: "يعني خلق ذلك لها من غير نظر ولا استدلال" كتاب "الأفعال": ٢١٤/ ب.


الصفحة التالية
Icon