الإجابة
الحمد لله
أولا :
خلق الله عز وجل السموات والأرض في ستة أيام ، كما قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) الأعراف/ 54
وكان خلق الأرض متقدما على خلق السماوات ، ثم كان دحو الأرض ـ بأن (أَخْرَجَ
مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا) ـ متأخرا عن خلق السماوات
، كما قال تعالى : (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي
يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ
فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا
فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ
وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا
أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى
فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ
وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فصلت/9 -12 .
انظر : "تفسير السعدي" (ص 745) .
وقال تعالى : ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ
سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالأَرْضَ
بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا) النازعات/27-30 .
ثانيا :
لا نعلم دليلا صحيحا من الكتاب أو السنة يبين لنا متى خلق الله النجوم التي في
السماء .
وأما قوله تعالى : (وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا) بعد
قوله : ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) فلا يدل على أن النجوم هي
آخر ما خلق الله ، وإنما هو إخبار عن الحكمة من خلق النجوم ، وهذا داخل في جملة خبر
الله عن السماء وخلقها ، وما جعل فيها من الآيات .
قال العلامة ابن عاشور رحمه الله :
" ووقع الالتفات من طريق الغيبة إلى طريق التكلم في قوله: (وزينا السماء الدنيا
بمصابيح) تجديدا لنشاط السامعين لطول استعمال طريق الغيبة ابتداء من قوله: (بالذي
خلق الأرض في يومين) [فصلت: 9] مع إظهار العناية بتخصيص هذا الصنع الذي ينفع الناس
دينا ودنيا وهو خلق النجوم الدقيقة والشهب بتخصيصه بالذكر من بين عموم (وأوحى في كل
سماء أمرها) ، فما السماء الدنيا إلا من جملة السماوات، وما النجوم والشهب إلا من
جملة أمرها.
والمصابيح : جمع مصباح ، وهو ما يوقد بالنار في الزيت للإضاءة وهو مشتق من الصباح
لأنهم يحاولون أن يجعلوه خلفا عن الصباح ، والمراد بالمصابيح: النجوم، استعير لها
المصابيح لما يبدو من نورها.
وانتصب (حفظا) على أنه مفعول لأجله لفعل محذوف دل عليه فعل (زينا).
والتقدير: وجعلناها حفظا. والمراد: حفظا للسماء من الشياطين المسترقة للسمع. وتقدم
الكلام على نظيره في سورة الصافات.
(ذلك تقدير العزيز العليم) الإشارة إلى المذكور من قوله: (وجعل فيها رواسي من
فوقها) [فصلت: 10] إلى قوله: وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا" .
انتهى من "التحرير والتنوير" (24/251) .
والحاصل : أنه لا يوجد دليل واضح بوقت خلق النجوم ، على وجه التخصيص ، وليس في العلم
بذلك منفعة للعبد في دينه ، ولا في الجهل به مضرة عليه ، أو نقص من إيمانه ، وإنما
الذي ينفعه أن يتأمل في خلقها ، ويتفكر في حكمة الخالق جل جلاله ، ويستدل بذلك على
عظمته ، ووحدانيته ، ويخضع لطاعته .
ثالثًا
هذه النجوم التي في السماء- بما فيها الشمس - يطلق عليها ـ في لسان العرب ـ :
مصابيح ، ونجوم ، وكواكب ، وسرج ، وإنما التفريق بين هذه الأجناس : هو من اصطلاح
أهل العلوم ، الذي لا تستوجبه لغة العرب .
فمن سأل عن إطلاق ذلك : إن كان يقصد في لسان العرب ، وأعرافها : فالأمر في ذلك كله
واسع ، سائغ .
وإن كان يقصد الاصطلاح الحادث لأهل العلوم : فلا ، وإنما يرجع في اصطلاح كل علم ،
إلى ما تعارف عليه أهله .
قال ابن سيده وغيره : " الكَوْكَبُ والكَوْكَبةُ : النَّجْم "
لسان العرب (1 /720) .
وقال ابن الجوزي :
" (بِمَصابِيحَ) وهي النًّجوم، والمصابيح: السُّرُج، فسمِّي الكوكب مصباحاً " .
انتهى من " زاد المسير " (4/ 47) .
وتقول العرب : نَجَمَ الشيءُ يَنْجُم نُجوماً: طَلَعَ وظهر، ويقال لكل ما طلع: قد
نَجمَ.
وقال أَهل اللغة: النُّجوم تَجمع الكواكب كلها .
"لسان العرب" (12 /568) .
وأصل البروج في اللغة : الظهور .
قال القرطبي رحمه الله :
" أصل البروج الظهور، ومنه تبرج المرأة بإظهار زينتها ، وقال الحسن وقتادة : البروج
النجوم ، وسميت بذلك لظهورها. وارتفاعها " .
انتهى من "الجامع لأحكام القرآن" (10 /9) .
وقد جاء إطلاقها في القرآن على نجوم السماء ، وأيضا على منازل الشمس والقمر.
فمن الأول : قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا
وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ) الحجر/ 16
قال السعدي : " أي: نجوما كالأبراج والأعلام العظام ، يهتدى بها في ظلمات البر
والبحر " انتهى من " تفسير السعدي " (ص 430) .
ومن الثاني : قوله تعالى : (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ) البروج/ 1 .
قال الطبري رحمه الله:
" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معنى ذلك: والسماء ذات منازل الشمس
والقمر، وذلك أن البروج جمع برج، وهي منازل تتخذ عالية عن الأرض مرتفعة، ومن ذلك
قول الله: (وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) : هي منازل مرتفعة عالية في
السماء، وهي اثنا عشر برجًا، فمسير القمر في كلّ برج منها يومان وثلث، فذلك ثمانية
وعشرون منزلا ، ثم يستسرّ ليلتين ، ومسير الشمس في كلّ برج منها شهر " .
انتهى من " تفسير الطبري " (24/ 332).
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (1221) ، () .
والله تعالى أعلم .