الإجابة
الحمد لله
فحقيقة الأمر أنه ما من نبي إلا ودعا قومه إلى التوحيد ، وأمرهم بعبادة الله تعالى
، ونهاهم عن الشرك، كما دلت على ذلك الآيات الصريحة في كتاب الله تعالى ، ومن ذلك
قوله تعالى: (ولَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا
اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) النحل/ 36 . وقال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا
مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا
أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء/25.
ولوط عليه السلام هو من جملة الرسل الذين يصدق عليهم ما نصت عليه الآيات ، كما قال
تعالى: (وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ ) الصافات/ 133.
ويتضح ذلك بما ورد من النصوص الخاصة في قصة لوط ، والتي تدل على أنه دعاهم إلى
التوحيد ، منها قوله تعالى: ( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ . إِذْ قَالَ
لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ .
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ . وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ
أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) الشعراء / 160 – 163.
وأول ما يتقي العبد ربه به هو عبادته لله ، واجتناب الشرك والأوثان، وهذه الآية
وردت في سورة الشعراء وسبقها وتلاها قصص للأنبياء عليهم السلام، وكلهم قال لقومه:
(أَلا تَتَّقُونَ . إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ . فَاتَّقُوا اللَّهَ
وَأَطِيعُونِ ) ، كما قال لوط عليه السلام مما يدل على اتحاد دعوتهم ، وأنها كانت
دعوة إلى التوحيد ولوازمه ونهيا عن الشرك وشُعَبه.
ولذا قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : " فدعاهم إلى الله عز وجل، أن يعبدوه وحده لا
شريك له، وأن يطيعوا رسولهم الذي بعثه الله إليهم، ونهاهم عن معصية الله، وارتكاب
ما كانوا قد ابتدعوه في العالم، مما لم يسبقهم الخلائق إلى فعله، من إتيان الذكْران
دون الإناث) انتهى من "تفسير ابن كثير " (6/ 157) .
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى ـ عن قوم لوط ـ : (بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ
مُّسْرِفُونَ) الأعراف/ 81 : " نظيره [ قوله تعالى ] :( بل أنتم قوم عادون ) في
جمعكم إلى الشرك هذه الفاحشة" .
فلا يصح أن يقال: إنه لم يبدأ قومه بالدعوة إلى التوحيد، ونهيهم عن الشرك، وإنما
اقتصر في دعوته على النهي عن الفاحشة، للأدلة التي سبق إيرادها.
غاية ما في الأمر أن يقال : ما الحكمة من عدم تنصيص القرآن على أنه لم يرد في
قصته مع قومه أنه قال لهم كما قال غيره من الأنبياء: ( اعبدوا الله ما لكم من إله
غيره ).
فيقال ـ والله أعلم ـ : لعل من أسرار ذلك: التنبيه إلى بشاعة ما كان عليه قوم
لوطٍ من العصيان، ومخالفتهم للطبع والشرع، حيث ابتدعوا ذنوبًا لم يُسْبَقوا إليها،
ومن أشدها إتيانهم الرجال من دون النساء، وجعلوا ذلك عملاً شائعا معلناً، ونظاما
اجتماعيا يضاهون به الفطرة، ويبدلون به الشريعة، بل ويحاربون وينبذون من نهاهم عن
ذلك حتى يكون عرضة للإهانة والطرد من بلدهم، وقد أشار القرآن صراحة إلى استنكار لوط
ـ عليه السلام ـ لذلك بقوله: ( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ
أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ
النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) الأعراف/80 ، 81 .
والله أعلم.