الإجابة
الحمد لله
أولا :
هذه الآية من سورة " الكهف " وهي سورة مكية ، فالآية نزلت في الكفار عبدة الأوثان
الذين أضلتهم شياطينهم فزينت لهم أعمالهم وحسبوا أنهم مهتدون وأن أهل الإسلام على
ضلال ، كما أخبر الله تعالى عنهم ذلك في قوله ( وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ
السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) الزخرف/ 37 , وقال تعالى (
إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ
أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ) الأعراف/ 30 ، وقد بيَّن الله تعالى أنهم الكفار في قوله
تعالى في الآيات نفسها ( أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ
وَلِقَائِهِ ) .
وكون الآيات نزلت في المشركين مما لا شك فيه ؛ لأن الآية مكية - كما قدمنا - وهذا
لا يعني أنها لا تشمل غيرهم ، فهي تشمل اليهود والنصارى لفظاً ومعنى وحكماً ، وتشمل
أهل البدع والضلال بحسب ما في اعتقادهم وأعمالهم من ضلال ومخالفة للشرع ، فالحبوط
للأعمال – في الآيات - هو بالكلية للكفار والمشركين والمرتدين ، وأما أهل البدعة
والضلالة من المسلمين ؛ فإن أعمالهم لا تحبط حبوطا عاما ، وإنما يحبط منها ما كان
مبتدَعاً مخالفاً للشرع .
قال ابن كثير – رحمه الله - : " روى البخاري عن مُصْعَب قال : سألت أبي - يعني :
سعد بن أبي وقاص – ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا ) أهم
الحَرُورية ؟ قال : لا هم اليهود والنصارى ، أما اليهود فكذَّبوا محمَّداً صلى الله
عليه وسلم ، وأما النَّصارى كفروا بالجنة ، وقالوا : لا طعام فيها ولا شراب ،
والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ، وكان سعد رضي الله عنه يسمِّيهم
الفاسقين .
وقال علي بن أبي طالب والضحاك وغير واحد : هم الحرورية – يعني : الخوارج - .
ومعنى هذا عن علي رضي الله عنه : أن هذه الآية الكريمة تشمل الحرورية ، كما تشمل
اليهود والنصارى وغيرهم ، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص ولا هؤلاء ، بل هي أعم
من هذا ؛ فإن هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى ، وقبل وجود الخوارج بالكلية
، وإنما هي عامة في كل مَن عبَد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها ، وأن
عمله مقبول ؛ وهو مخطئ وعمله مردود ، كما قال تعالى ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ
. عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ . تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً ) الغاشية/ 2 – 4 ، وقوله تعالى
( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا )
الفرقان/ 23 ، وقال تعالى ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ
بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا
) النور/ 39 .
وقال في هذه الآية الكريمة ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ ) أي : نخبركم (
بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالا ) ثم فسرهم فقال ( الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) أي : عملوا أعمالا باطلة على غير شريعة مشروعة مرضية
مقبولة ( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) أي : يعتقدون أنهم
على شيء ، وأنهم مقبولون محبوبون " . انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 5 / 201 ، 202
) .
وللفائدة فقد حقق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن آيات الغاشية – السابق ذكرها في النقل عن ابن كثير – أنها يوم القيامة ، وأن وجوه الكفار فيها تخشع أي : تذل ، وتعمل وتنصب ، وليست هي في الدنيا ، انظر كلامه في " مجموع الفتاوى " ( 16 / 217 – 220 ) .
وبذلك يُعلم أن الآية لا تشمل من عصى الله تعالى فحلق لحيته ، وإنما هي في باب التعبد ، وقد علم أن الآية في الكفار أصالة ، وأن دخول أهل البدع فيها إنما هو من باب القياس والإشارة .
ثانيا :
حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم قَالَ ( اللَّهُمَّ ارْحَمِ الْمُحَلِّقِينَ ) قَالُوا :
وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ ( اللَّهُمَّ ارْحَمِ
الْمُحَلِّقِينَ ) قَالُوا : وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ (
وَالْمُقَصِّرِينَ ) فقد رواه البخاري ( 1640 ) ومسلم ( 1301 ) ، لا علاقة له بهذه
المسألة أصلا ، ولا علاقة له أيضا بحلق اللحية ، أو تقصيرها ؛ وإنما هو بلا شك في
التحلل من العمرة والحج بحلق شعر الرأس ، ولا نظن مسلماً يجرؤ على القول إن الحلق
يشمل حلق اللحية ، ومن قال ذلك فقد بلغ في الجهل غايته ، فيعلَّم ويؤدَّب لأنه قال
على الله تعالى بغير علم ، وأما إن كان قائله ممن ينتسب إلى العلم ، فلا شك أن قوله
ذلك استهزاء وسخرية ، ولعب بآيات الله ، وتحريف للكلم عن مواضعه .
والله أعلم