الإجابة
الحمد لله
أما مشاركة الشيطان عند عدم التسمية فقد قال تعالى : وشاركهم في الأموال والأولاد
قال القرطبي : أي اجعل لنفسك شركة في ذلك ...
والأولاد قيل : هم أولاد الزنى قاله مجاهد والضحاك وعبد الله بن عباس ، وعنه أيضاً : هو ما قتلوا من أولادهم وأتوا فيهم من الجرائم ، وعنه أيضاً : هو تسميتهم عبد الحارث وعبد العزَّى وعبد اللاَّت وعبد الشمس ونحوه ، وقيل : هو صبغة أولادهم في الكفر حتى هوَّدوهم ونصَّروهم كصنع النصارى بأولادهم بالغمس في الماء الذي لهم ، قاله قتادة .
وقول خامس روي عن مجاهد قال : إذا جامع الرجل ولم يسمِّ انطوى الجان على إحليله فجامع معه فذلك قوله تعالى : لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ...
" تفسير القرطبي " ( 10 / 289 ) .
قال ابن كثير :
وقوله تعالى وشاركهم في الأموال والأولاد
وقوله والأولاد قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك : يعني أولاد الزنا ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هو ما كانوا قتلوه من أولادهم سفهاً بغير علمٍ ، وقال قتادة عن الحسن البصري : قد والله شاركهم في الأموال والأولاد مجَّسوا وهوَّدوا ونصَّروا وصبغوا غير صبغة الإسلام وجزءوا من أموالهم جزءاً للشيطان ، وكذا قال قتادة سواء ، وقال أبو صالح عن ابن عباس : هو تسميتهم أولادهم عبد الحارث وعبد شمس وعبد فلان.
قال ابن جرير : وأولى الأقوال بالصواب أن يقال : كل مولود ولدته أنثى عصى الله فيه بتسميته بما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو بقتله أو وأده أو غير ذلك من الأمور التي يُعصي الله بفعله أو فيه : فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك الولد له أو منه ؛ لأن الله لم يخصص بقوله وشاركهم في الأموال والأولاد معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى ، فكل ما عصى الله فيه أو به أو أطيع الشيطان فيه أو به فهو مشاركة .
وهذا الذي قاله متجه ، وكلٌّ من السلف رحمهم الله فسَّر بعض المشاركة ، فقد ثبت في صحيح مسلم - ( 2865 ) - عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله عز وجل " إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم " ، وفي الصحيحين - البخاري ( 3271 ) ومسلم ( 1434 ) - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لو أن أحدهم إذا أراد أن يأتي أهله قال بسم الله جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا ؛ فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضرَّه الشيطان أبداً " .
" تفسير ابن كثير " ( 3 / 50 ، 51 ) .
قال الطبري :
... وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : كلُّ ولدٍ ولدته أنثى عصى الله بتسميته ما يكرهه الله أو بإدخاله في غير الدين الذي ارتضاه الله أو بالزنا بأمه أو قتله ووأده أو غير ذلك من الأمور التي يعصى الله بها بفعله به أو فيه فقد دخل في مشاركة إبليس فيه من ولد ذلك المولود له أو منه ؛ لأن الله لم يخصص بقوله وشاركهم في الأموال والأولاد معنى الشركة فيه بمعنى دون معنى ، فكلُّ ما عصى الله فيه أو به وأطيع به الشيطان أو فيه فهو مشاركة من عصى الله فيه أو به إبليس فيه .
" تفسير الطبري " ( 15 / 120 ، 121 ) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي :
وشاركهم في الأموال والأولاد وذلك شامل لكل معصية تعلَّقت بأموالهم وأولادهم ، من منع الزكاة والكفارات والحقوق الواجبة ، وعدم تأديب الأولاد وتربيتهم على الخير وترك الشر ، وأخذ الأموال بغير حقِّها ، أو وضعها بغير حقِّها ، أو استعمال المكاسب الرديَّة .
بل ذكر كثير من المفسرين أنه يدخل في مشاركة الشيطان في الأموال والأولاد : ترك التسمية عند الطعام والشراب والجماع ، وأنه إذا لم يسمِّ الله في ذلك شارك فيه الشيطان كما ورد في الحديث .
" تيسير الكريم الرحمن " ( ص 414 ) .
قلت : أما مشاركة الشيطان في الجماع لمن ترك التسمية فقد سبق ذكر الحديث عند ابن كثير رحمه الله ، وسبق كلام مجاهد رحمه الله .
والخلاصة :
أن القول الصحيح في معنى الآية أن تحمل على الوجوه السابقة في تفسيرها ، إذ لا منافاة بين معانيها ، وقد ذكر كل واحد من السلف فرداً من أفراد معانيها ، ولا مضادة بينها ، والقاعدة في مثل هذه الحال : حمل الآية على معانيها جميعها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
الخلاف بين السلف في التفسير قليل ، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد ، وذلك صنفان :
أحدهما : أن يعبر كلُّ واحد منهم عن المراد بعبارة غير عبارة صاحبه تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى ، بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتباينة كما قيل في اسم السيف : الصارم ، والمهند ، وذلك مثل أسماء الله الحسنى ، وأسماء رسوله، وأسماء القرآن ؛ فإن أسماء الله كلها تدل على مسمى واحد ، فليس دعاؤه باسم من أسمائه الحسنى مضادّاً لدعائه باسم آخر ، بل الأمر كما قال تعالى قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيّاً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ، وكل اسمٍ من أسمائه يدل على الذات المسماة وعلى الصفة التي تضمنها الاسم ، كالعليم يدل على الذات والعلم ، والقدير يدل على الذات والقدرة ، والرحيم يدل على الذات والرحمة ...
الصنف الثاني : أن يذكر كلٌّ منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه ، مثل سائل أعجمي سأل عن مسمَّى لفظ الخبز فأُرِي رغيفاً وقيل له : هذا ، فالإشارة إلى نوع هذا لا إلى هذا الرغيف وحده .
" مجموع الفتاوى " ( 13 / 333 - 337 ) .