الإجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنشكرك على التواصل معنا, وننبه أولًا إلى أنه لا يحق التصدي لرد شبهات المبطلين إلا لمن رسخ الإيمان في قلبه, وتمكن من العلم الشرعي اللازم لذلك، ومن تجاسر على التصدي لذلك, وهو ليس له أهل كان وبالًا عليه وعلى غيره, وربما ضر من حيث يريد النفع.
وبخصوص الكلام الذي نسبته لابن كثير أو لسيد قطب فتأكدي من نسبته إليهما أولًا.
وأما عن تحريف القرآن: فإن المسلمين مجمعون على سلامة القرآن العظيم من التحريف، والتبديل، والتغيير، والنقص، والزيادة بأي وجه من الوجوه، ويرون أن القول بذلك طعن في وعد الله تعالى الذي لا يتخلف، وذلك في قوله سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}, والطعن والتشكيك في وعد الله تعالى كفر مخرج من الملة بلا ريب.
والقول بأن الخليفة الراشد عثمان - رضي الله عنه - أو غيره من الصحابة أقدم على ذلك طعن في الله تعالى، وفي رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي الصحابة الذين أقروه ولم ينكروا عليه, قال القاضي أبو يعلى: والقرآن ما غُيِّر ولا بُدِّل ولا نُقِص منه، ولا زِيدَ فيه، خلافًا للرافضة القائلين: إن القرآن قد غير وبدل وخولف بين نظمه وترتيبه, وقال: إن القرآن جمع بمحضر من الصحابة -رضي الله عنهم - وأجمعوا عليه، ولم ينكر منكر، ولا رد أحد من الصحابة ذلك, ولا طعن فيه، ولو كان مغيرًا مبدلًا لوجب أن ينقل عن أحد من الصحابة أنه طعن فيه؛ لأن مثل هذا لا يجوز أن ينكتم في مستقر العادة... ولأنه لو كان مغيرًا ومبدلًا لوجب على علي - رضي الله عنه - أن يبينه ويصلحه، ويبين للناس بيانًا عامًا أنه أصلح ما كان مغيرًا، فلما لم يفعل ذلك ، بل كان يقرؤه ويستعمله، دل على أنه غير مبدل، ولا مغير. اهـ.
وأما جمع عثمان للقرآن: فلم يكن جمعه له من نفسه حتى نقول بإمكانية الخطأ، أو نقل آية من سورة لأخرى, وإنما جمع عثمان القرآن الذي كتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر - رضي الله عنه -، وقد قامت معه بالأمر لجنة من قراء الصحابة، ويكفي أن عثمان - رضي الله عنه - قد فعل ذلك والصحابة متوافرون، فلم ينكر عليه أحد، وقد نقل ابن أبي داود في كتاب المصاحف موافقة الصحابة له على ذلك.
قال محمد عبد العظيم الزرقاني في مناهل العرفان: وأما الجمع في عهد عثمان - رضي الله عنه - فقد كان عبارة عن نقل ما في تلك الصحف في مصحف واحد إمام، واستنساخ مصاحف منه ترسل إلى الآفاق الإسلامية، ملاحظًا فيها تلك المزايا السالف ذكرها، مع ترتيب سوره وآياته جميعًا, وقد استجاب الصحابة لعثمان فحرقوا مصاحفهم, واجتمعوا جميعًا على المصاحف العثمانية؛ حتى عبد الله بن مسعود الذي نقل عنه أنه أنكر أولًا مصاحف عثمان, وأنه أبى أن يحرق مصحفه رجع وعاد إلى حظيرة الجماعة حين ظهر له مزايا تلك المصاحف العثمانية, واجتماع الأمة عليها, وتوحيد الكلمة بها, وبعدئذ طهر الجو الإسلامي من أوبئة الشقاق والنزاع, وأصبح مصحف ابن مسعود ومصحف أبي بن كعب ومصحف عائشة ومصحف علي ومصحف سالم مولى أبي حذيفة أصبحت كلها وأمثالها في خبر كان, مغسولة بالماء, أو محروقة بالنيران, وكفى الله المؤمنين القتال, وكان الله قويًا عزيزًا, ورضي الله عن عثمان فقد أرضى بذلك العمل الجليل ربه, وحافظ على القرآن, وجمع كلمة الأمة, وأغلق باب الفتنة, ولا يبرح المسلمون يقطفون من ثمار صنيعه هذا إلى اليوم وما بعد اليوم. انتهى.
وللفائدة راجع الفتوى التالية أرقامها: 49145 // 54570 // 130262.
والله أعلم.