الإجابة
سُئِلَ رَضي الله عَنْـهُ عن قوله عز وجل : {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا
الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ
غَيًّا} [مريم: 59]، هل ذلك فيمن أضاع وقتها فصلاها في
غير وقتها، أم فيمن أضاعها فلم يصلها؟ وقوله تعالي: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن
صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4- 5]، هل هو عن فعل
الصلاة، أو السهو فيها كما جرت العادة من صلاة الغَفَلَة الذين لا
يعقلون من صلاتهم شيئًا؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب رضي الله عنه :
الحمد لله رب العالمين، بل المراد بهاتين الآيتين من أضاع الواجب في
الصلاة لا مجرد تركها، هكذا فسرها الصحابة والتابعون وهو ظاهر
الكلام،فإنه قال:{فَوَيْلٌ
لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ}،
فأثبت لهم صلاة وجعلهم ساهين عنها، فَعُلِم أنهم كانوا يصلون مع السهو
عنها، وقد قال طائفة من السلف: بل هو السهو عما يجب فيها مثل ترك
الطمأنينة، وكلا المعنيين حق، والآية تتناول هذا وهذا، كما في صحيح
مسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال .
فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن صلاة المنافق تشتمل
علي التأخير عن الوقت الذي يؤمر بفعلها فيه، وعلي النقر الذي لا يذكر
الله فيه إلا قليلا، وهكذا فسروا قوله: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا
الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} بأن إضاعتها تأخيرها
عن وقتها وإضاعة حقوقها، وجاء في الحديث .
قال سلمان الفارسي: الصلاة مكيال من وَفَّي وُفِّي له، ومن طفف فقد
علمتم ما قال في المطففين.
وفي سنن أبي داود عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال .
وقد تنازع العلماء فيمن غلب عليه الوسواس في صلاته هل عليه الإعادة
علي قولين.
لكن الأئمة كأحمد وغيره علي أنه لا إعادة عليه، واحتجوا بما في
الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال .
فقد عم بهذا الكلام ولم يأمر أحدًا بالإعادة.
والثاني: عليه الإعادة، وهو قول طائفة من العلماء:من الفقهاء
والصوفية من أصحاب أحمد وغيره؛ كأبي عبد الله بن حامد وغيره لما تقدم
من قوله .
والتحقيق، أنه لا أجر له إلا بقدر الحضور، لكن ارتفعت عنه العقوبة
التي يستحقها تارك الصلاة، وهذا معني قولهم: تبرأ ذمته بها، أي:
لا يعاقب علي الترك، لكن الثواب علي قـدر الحضور، كما قـال ابن
عباس: ليس لك مـن صلاتك إلا ما عقلت منها، فلهذا شرعت السنن الرواتب
جبرًا لما يحصل من النقص في الفرائض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - الجزء الخامس
عشر.