الفتاوى

ما هو تفسير قول الحق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278)...
ما هو تفسير قول الحق: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ وما هو رأس المال المذكورفي هذه الآية؟ ج: كان أهل الجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يرابون، يبيعون المتاع من أرض أو إبل أو غير ذلك بالثمن إلى أجل فإذا حل الأجل وصار المدين معسراً قالوا له: إما أن تعطينا حقنا وإما أن تربي، يعني إما أن تعطينا حقنا الآن من المال أو نؤخر الأجل، نفسح لك في الأجل فإن كان عنده مال سلّمه لهم وإلا رضي بهذا، فإذا كانت القيمة مثلاً مئة ريال قالوا نؤجلك أيضاً ستة أشهر أو عشرة أشهر وتكون مئة وعشرين، مئة وثلاثين، هذه الزيادة في مقابل الأجل الجديد، وهذا معنى إما أن تربي وإما أن تقضي، تربي: تقبل الزيادة، تعطينا الزيادة وهي الربا وإما أن تعطينا حقنا الآن، فلما جاء الله بالإسلام نهاهم عن هذا، وخطبهم النبي عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع وأخبرهم أن الربا محرم موضوع وأن لكل واحد رأس ماله فقط وأنزل الله جلّ وعلا هذه الآيات، يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ فأمرهم سبحانه أن يذروا، يعني يتركوا ما بقي من الربا لهم في ذمم الناس ويأخذوا رأس المال، فإذا كانت السلعة بمئة وأمهلوه وزادوا عليه عشرين، يتركوا له العشرين أو ثلاثين يتركوا الثلاثين، يأخذوا رأس المال فقط، هذا معنى، وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا وإذا كان قد قبضوا رأس المال وبقي الربا يتركونه، ما يأخذون الربا ثم قال: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا يعني إن لم تدعوا الربا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يعني فاعلموا أنكم محاربون الله ورسوله، وعيد عظيم، لم يأت شيء مثله من المعاصي وهو يدل على عظم جريمة الربا وأنها جريمة عظيمة وكبيرة، ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لَعَنْ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَشَاهِدَيْهَ وَكَاتِبَهُ وَقَالَ: هُمْ سَوَاءٌ فالربا من أقبح الكبائر، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟

الإجابة

قَالَ: الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ فجعل الربا من السبع الموبقات يعني المهلكات ثم قال: وَإِنْ تُبْتُمْ ، يعني من الربا فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ، يعني رأس المال فقط، وهو المبلغ الذي بيعت به السلعة إلى أجل، الزيادة تبطل، فإذا كان باع المطية أو السيارة إلى رمضان مثلاً من عام ألف وأربع مئة وأحد عشر بألف ريال، بعشرة آلاف ريال، بخمسين ألف ريال ثم حل الثمن فإنه يأخذ رأس المال فقط ولا يطلب زيادة، وإن أعسر ينظره، ولهذا قال: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ ، إذا جاء رمضان، قال: أنا ما عندي شيء وثبت إعساره، فإنه يمهل بدون زيادة ولا يأخذ ربا، هذا معنى قوله عز وجل: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ إذا تبتم من الربا فلكم رؤوس أموالكم التي عند الناس، ما قبضتموها، لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ، يقبض رأس المال ويرفض الربا وإن كان قد قبض رأس المال، وبقيت الزيادة يترك الزيادة لا تَظْلِمُونَ ، بأخذ الزيادة ، وَلا تُظْلَمُونَ ، بمنعكم من رأس المال، لكم رأس المال فأنت لا تُظْلَم بمنعك رأس مالك وليس لك أن تَظْلِم أخاك بأخذ الربا، بل لك رأس المال فقط فإن كان المدين معسراً عاجزاً بالبينة الشرعية ، فإنه يمهل ولا يطالب بالزيادة، لقوله سبحانه: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ إن تصدق عليه وأبرأه، فجزاه الله خيراً، هذا طيب، وإلا، فالواجب الإنظار إلى ميسرة، يقول: أنا أنظرك إلى ميسرة، والواجب على المدين تقوى الله إن كان صادقاً في الإعسار، فعليه أن يتقي الله ويتسبب حتى يحضر المال، وإن كان كاذباً فقد ظلم أخاه، فليتقِ الله وليؤدِ حقه إذا ادعى الإعسَارَ وهو يكذب، المقصود أن المدين عليه أن يتَّقي الله، فإن كان صادقاً في الإعسار، وجب إمهاله، وإن ثبت أنه مليء وَجَبَ أخذ الحق منه، والحاكم ينظر في ذلك ويعتني وإذا كان صاحب الدين يعلم أنه معسر فلا حاجة إلى المحكمة، يمهله وينظره حتى يحصل له اليسر، وإن تصدق عليه وسامحه فقد فعل خيراً كثيراً، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنَجِّيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ ينفس عنه، أي: بإنظاره، أو يضع عنه، يعني بالصدقة عليه، وفي الحديث الآخر، مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فيِ ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ وهذا فضل عظيم، فينبغي للمؤمن إذا عرف أن أخاه معسر أن ينظره أو يسامحه بالدين كله أو بعضه، رجاء ما عند الله من المثوبة.

Icon