الإجابة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا لله وإنا إليه راجعون، فلم نكن نتوقع أن مثل هذا الهراء المذكور يمكن أن يجترئ أحد فينسبه لعقلاء البشر وفصحائهم، فضلا عن أنبيائهم ومصلحيهم! حتى تأتي إحدى المضحكات المبكيات فيتحامق إنسان فيشبه هذا الكلام بالوحي المنزل من الله تعالى!!!
ومثل هذه الدعوى لا تُقبل على سبيل المزح، بل ولا السخف، ولا نتصورها على سبيل الجد! ولا ندري كيف اجتمع هذا الكم من المتناقضات والمغالطات في صفحة واحدة. والأعجب من ذلك أن يختلط الحال على ابننا السائل حتى يقول: (فعجزت عن الرد صراحة) !!!
وعلى أية حال فإن قول الله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[يونس: 38] وقوله سبحانه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [هود: 13] وقوله عز وجل: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[الإسراء: 88] وأمثال هذه الآيات من كتاب الله تعالى لم يكن التحدي فيها بالإتيان بأي كلام ممجوج ينادي بحمق صاحبه وجهالته، وإنما كان بالإتيان بمثل القرآن! ووقع هذا التحدي في زمن البلاغة والفصاحة العربية المتينة، مع توافر دواعي أعداء الإسلام من كفار الجاهلية وغيرهم على معارضته، وقولهم: وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الأنفال: 31] قال السعدي: وهذا من عنادهم وظلمهم، وإلا فقد تحداهم الله أن يأتوا بسورة من مثله، ويدعوا من استطاعوا من دون الله، فلم يقدروا على ذلك، وتبين عجزهم. فهذا القول الصادر من هذا القائل مجرد دعوى، كذبه الواقع، وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب، ولا رحل ليدرس من أخبار الأولين، فأتى بهذا الكتاب الجليل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. اهـ. وراجع الفتوى رقم: 49129.
أما أن يكتب شخص كلاما ركيك اللفظ، سخيف المعنى، متناقض المضمون ... ثم يدعي أنه مثل القرآن، فهذا لا يعجز عنه حتى المجانين! وأما القرآن فهو:
معجز في لفظه وأسلوبه: بيانا وفصاحة، بلاغة وجزالة، نظما وتركيبا.
ومعجز في معناه وتشريعاته: إحكاما ونظاما، إجمالا وتفصيلا، توافقا وتصديقا،عدلا وإصلاحا.
ومعجز في أخباره: صدقا في الماضي، وتحققا في المستقبل.
ومعجز في تأثيره وهدايته، فأخرج الله به أمة ضالة جاهلة، متناحرة، ليس فيها حضارة ولا مدنية تذكر، تعيش على هامش الحياة – فأخرجها من الظلمات إلى النور، حتى فتحت الأرض شرقا وغربا، وأحلت الإسلام محل حضارات الأرض، وجمعت بين الفارسي والرومي، والقبطي والحبشي، والتركي والبربري، في نظام واحد، رغم تعدد اللغات، واختلاف الأعراق، وتناقض العادات، وسابق العداوات. وصار أتباعه أئمة يقتدى بهم: علما وحلما، رحمة وعدلا، دعوة وفتحا. إلى غير ذلك من أوجه الأعجاز، وراجع الفتويين: 27843، 20138.
فأين هذا من ذاك الكلام الباهت، الذي ينقض بعضه بعضا في سياق واحد ! فتراه يقول: (هَذَا وَحْيٌ مِنْ رَبِّكَ أَنْزَلْنَاهُ لِلنَّاسِ لِيَكُونُوا لَهُ مُوقِنِين) ويقول: (أُحِبُّ النَّاسَ لِذَلِكَ خَلَقْتَهُمْ وَكُنْتُ لَهُمْ مِنَ الرَّازِقِين) ويقول: (ذَلِكَ وَأَنَّ اللهَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ) فكأنه يقرر وجود الخالق الرازق، ووجود رسالة ووحي، وينفر عن الكفر بالله وبرسالته، ويصرح بعدم محبة الله للكافرين ... ثم هو هو من ينقض ذلك في السياق نفسه، ويرغب في إنكار أصل وجود الله، فضلا عن رسالته، فيصحح الدارونية ويدعو إليها ويقول: (لا يوجد رجل خلقته اسمه آدم، إن ما جاء به داروين هو الحق وكان من الصالحين) !!! ثم يصرح بإنكار الرسل ويوم القيامة ويأمر بالتوقف عن عبادة الله، فيقول: (لم يرسل ربك للناسِ من رسل) .. (لا يوجد ما يقال عنه يوم القيامة) .. (أَوقف الناس عن عبادة الله). وينص على محبة الكفار والملحدين بأنواعهم، بل وعلى محبة كل من في الأرض، فيقول: (كلكم ملحدكم ومسيحيكم وزردشتيكم وبوذيكم وكل من في الأرض غيركم تحت ظل محبتي خالدون) !!! ثم يدعو إلى الفحش والفجر بكلام مبطن فيقول: (إنا خلقناكم أنثى وذكراً لتفرحوا ببعضكم).
وكأنه كلام مخمور سكير، أو مخبول عربيد، فهل يصح نسبة مثل هذا الكلام لعاقل، فضلا عن أن يضاهى به القرآن ؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
ثم نقول لابننا السائل الذي يقول: (أحب رد الشبهات عن الإسلام) إن هذا يتطلب علما وفهما، بل وتخصصا وإلماما بموضوع الشبهة ومتعلقاتها. ولا يصح أن يتصدر لذلك إلا من تأهل له. فعليك أولا بطلب العلم والاجتهاد في ذلك، وفهم القرآن وحفظه ومدارسته، وإتقان اللغة التي نزل بها، وكذلك السنة والسيرة النبوية، حتى تتأهل للقيام بما تحبه من رد الشبهات عن الإسلام، ولا تتعجل ولا تعرض نفسك للشبهات ... وفقك الله لما يحب ويرضى، ويسر لك ما تريد من الخير.
والله أعلم.