الفتاوى

الأخ: م. م. ك.ي: يسأل عن قول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا...
الأخ: م. م. ك.ي: يسأل عن قول الحق تبارك وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا هل المقصود في الآية أنه إذا فعل الإنسان الكبائر الثلاث يخلد في النار، أم المقصود إذا ارتكب إحدى هذه الكبائر يخلد في النار، فمثلاً ارتكب جريمة القتل، هل يخلد في النار، أو لا؟

الإجابة

نرجو أن تتفضلوا بالتفسير المفصل لهذه الآية الكريمة . هذه الآية العظيمة فيها التحذير من الشرك، والقتل والزنى وأن أصحاب هذه الجرائم متوعدون بما قاله الله سبحانه: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا قيل إنه وادٍ في جهنم، وقيل المعنى أثاماً يعني إثماً كبيراً عظيماً، ولهذا فسر بقوله: يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . هذا جزاء من اقترف هذه الجرائم الثلاث، أنه يضاعف له العذاب ويخلد في العذاب مهاناً لا مكرماً، وهذه الجرائم الثلاث مختلفة في المراتب فجريمة الشرك، هي أعظم الجرائم وهي أعظم الذنوب ، وصاحبها مخلد في النار أبد الآباد، لا يخرج من النار أبداً، كما قال الله سبحانه في كتابه العظيم: مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ والعياذ بالله، وقال سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . قال عز وجل: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ . قال في حقهم: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ . والآيات في هذا كثيرة، فالمشرك إذا مات على شركه، ولم يتب فإنه مخلد في النار، والجنة عليه حرام والمغفرة عليه حرام، بإجماع المسلمين، قال تعالى: مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ . وقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ . فجعل المغفرة حراماً على المشرك، إذا مات على شركه، أمَّا ما دون الشرك فهو معلق، ما دون الشرك فهو تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى ، فالخلاصة أن المشرك إذا مات على شركه فهو مخلد في النار، أبد الآباد بإجماع أهل العلم، وذلك مثل الذي يعبد الأصنام، ويستغيث بها أو الأشجار أو الأحجار، أو الكواكب أو الشمس أو القمر أو غير ذلك، أو يعبد الأموات الذين يسمونهم بالأولياء، أو يعبد الأنبياء أو يعبد الملائكة ، يستغيثون بهم، وينذرون لهم، ويطلبوا منهم المدد والعون عند قبورهم، أو بعيداً من قبورهم مثل ما يقول: بعضهم يا سيدي فلان، اشفِ مريضي، المدد المدد يا سيدي البدوي، يا سيدي عبد القادر، يا رسول الله، المدد المدد أو يا حسين أو يا فاطمة أو يا ست زينب أو غير ذلك، ممن يدعوهم المشركون هذا كله من الشرك الأكبر والعياذ بالله، إذا مات عليه صاحبه صار من أهل النار، نعوذ بالله والخلود فيها، أمَّا الجريمة الثانية وهي القتل والثالثة وهي الزنى، هاتان الجريمتان دون الشرك معصيتان إذا كان من تعاطاهما لم يستحلهما يعلم أنهما محرمتان يعلم أن هاتين الجريمتين معصيتان محرمتان ، ولكن حمله الغضب أو الهوى أو ما أشبه ذلك، على إقدامه على القتل بسبب البغضاء والعداوة أو أسباب أخرى، وحمله الهوى والشيطان على الزنى وهو يعلم أن القتل محرم، بغير الحق وأن الزنى محرم، هاتان الجريمتان توجبان النار وغضب الله عزو جل، إلاَّ أن يعفو الله عن صاحبهما لأعمال صالحة، أو توبة قبل الموت فإذا تاب عفا الله عنه، وقد يُعفى عنه لأعمال صالحة كثيرة له أو بشفاعة الشفعاء أو بدعاء المسلمين له، إلى غير ذلك وقد يعذب في النار على قدر المعاصي التي مات عليها، وهذا واقع لكثير من الناس، يعذبون على معاصيهم، ثم يخرجهم الله من النار برحمته سبحانه وتعالى، تارة بأسباب الشفعاء كشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم، وشفاعة الملائكة والأفراط والمؤمنين، وقد يخرج الإنسان من النار بشفاعة هؤلاء بعد ما يمضي فيها ما كتب الله له من العذاب، ويبقى في النار أقوام من أهل التوحيد، لا تنالهم شفاعة الناس فيخرجهم الله سبحانه وتعالى برحمته جل وعلا ؛ لأنهم ماتوا على توحيد، على إيمان ولكن لهم أعمال خبيثة، ولهم معاص دخلوا بها النار، فإذا طهروا منها ومضت المدة التي كتب الله عليهم، أخرجوا من النار رحمة من الله عز وجل، ويلقون في نهر يقال له نهر الحياة، من أنهر الجنة ينبتون فيه كما تنبت الحبة في محمل السيل، فإذا تم خلقهم أدخلهم الله الجنة، وبهذا يعلم أن العاصي كالقاتل والزاني، لا يخلد خلود الكفار، بل خلود خاص غير خلود الكفار، فقوله سبحانه: وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . هذا خلود متنوع مختلف، فخلود المشرك، هذا خلود دائم ليس لهم منه محيص، وليس لهم منها مخرج، كما قال جل وعلا: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ . هكذا وفي سورة البقرة قال سبحانه: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ . هكذا في سورة المائدة. فالرب عز وجل بين لنا أنهم لا يخرجون من النار، يعني الكفرة، أما العصاة فيخرجون ، إذا تمت المدة التي كتب الله عليهم، يخرجون من النار إمَّا بشفاعة الشفعاء، وإما بمجرد رحمته سبحانه وتعالى، من دون شفاعة أحد، فإن بقايا أهل التوحيد في النار يخرجهم الله منها بدون شفاعة أحد، بل برحمته سبحانه وتعالى فلا يبقى في النار إلاَّ أهلها وهم الكفرة، فتطبق عليهم ولا يخرج منهم أحد بعد ذلك نسأل الله العافية، ويسمى وجود العصاة في النار مدة طويلة يسمى خلوداً، عند العرب الإقامة الطويلة تسمى خلوداً كما في قول بعض الشعراء: أقاموا فأخلدوا ................. يعني طوّلوا الإقامة، فالمقيم طويلاً يسمى مخلداً، يقال أخلد في المكان يعني طوّل في الإقامة، فالزاني والقاتل تكون إقامتهما في النار أكثر من غيرهما من العصاة، والقتل أقبح وأشرّ من الزنى، والزنى من أعظم الجرائم لما فيه من الفساد في الأرض، فهما جريمتان عظيمتان يحصل لأصحابهما الخلود في النار، خلود يليق بهما على حسب معاصيهما، فهو خلود له نهاية، وهكذا خلود الذي يقتل نفسه، مخلد في النار، لكن خلود له نهاية، بخلاف خلود الكافر فإنه لا نهاية له، أمَّا العاصي: من الزاني وقاتل لنفسه، وقاتل لغيره هؤلاء يطول مكثهم في النار ويكثر، لكنهم يخرجون بإذن الله ومشيئته، بعد مضي المدة التي كتبها الله عليهم، وهم فيها متفاوتون، بعضهم أطول من بعض على حسب كثرة معاصيهم، وكثرة تساهلهم بأمر الله، واستخفافهم بحقه، على حسب هذا تكون الإقامة، مع أنها لا تستمر بل لها نهاية، فهو خلود له نهاية .

Icon