الإجابة
الذي عليه جمهور العلماء أن ودًّا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا هي أصنام وصور رجال صالحين كان قوم نوح يعبدونها في زمان نوح، ثم عبدتها العرب بعد ذلك، وإلى ذلك ذهب ابن عباس رضي عنهما. أما أصل وجود هؤلاء الصالحين أصحاب هذه الأسماء، فقد اختلف العلماء في ذلك: القول الأول: قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد، حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن موسى ، عن محمد بن قيس: وَيَعُوقَ وَنَسْرًا قال: كانوا قومًا صالحين من بني آدم، وكان لهم أتباع يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين يقتدون بهم لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: إنما كانوا يعبدونهم وبهم يُسقون المطر. فعبدوهم فابتدئ عبادة الأوثان من ذلك الوقت، فلما بعث الله نوحًا بعد ذلك قالوا: لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودًّا ولا سواعًا .. إلخ. قال سفيان عن أبيه عن عكرمة رضي الله عنه قال: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام. انظر ( تفسير الطبري ج 23 ص 639 )، و ( تفسير القرطبي ج 9ص307- 308 )، و ( تفسير ابن كثير ج 4ص 426 ). القول الثاني: المشهور عن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الأصنام أسماء رجال صالحين من قوم نوح . روى البخاري في ( صحيحه ) عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل ، وأما سواع فكانت لهذيل ، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ ، وأما يعوق فكانت لهمدان ، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع ، وهي أسماء ورجال صالحين من قوم نوح عليه السلام، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عُبدت. وروي نحو هذا عن عكرمة والضحاك وقتادة وابن إسحاق. انظر ( تفسير ابن كثير ج 4 ص 426 )، و ( تفسير القرطبي ج 9 ص 308 ). وعلى هذا الرأي فإن المراد بقول ابن عباس رضي الله عنهما: أن هذه الأصنام أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، أي: من القوم الذين بُعث فيهم نوح، وأنهم على الإسلام قبل أن يُبعث إليهم نوح عليه السلام، فلما هلكوا وصورهم قومهم لتذكرهم والاقتداء بهم، فلم يعبدوا حينئذ، فلما هلك أولئك ونُسخ العلم من صدور الرجال عبدوهم، وفشا الشرك فيهم، فبعث الله لهم نوحًا عليه السلام لإنكار ذلك ودعوتهم إلى عبادة الله وحده. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.