الفتاوى

يسأل عن تفسير قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8)...
يسأل عن تفسير قوله تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ ؟

الإجابة

الله سبحانه ذكر القارعة، وهي القيامة فقال سبحانه: الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ، يعظم شأنها وأن شأنها عظيم، كما قال سبحانه: الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ وهي يوم القيامة؛ لأن أمرها عظيم وخطير، وقال فيها جل وعلا : فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ مَا سَعَى وهي القيامة وقال سبحانه: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ وهي القيامة أيضًا، الصاخة وهي الغاشية في قوله سبحانه: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ فيوم القيامة يوم عظيم، يحاسب فيه العباد وتنشر فيه الموازين ، ويعطى المؤمن فيه كتابه، بيمينه، والكافر كتابه بشماله، ولهذا قال سبحانه: الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ . كالجراد ونحوه، كالدبا ونحوه، هذه الطيور الصغيرة المنتشرة في الأرض، إذا اجتمعت يموج بعضهم في بعض، وتكون الجبال كالعهن المنفوش، الصوف المنفوش، بعد قوتها وصلابتها العظيمة، تكون كالعهن المنفوش، وتكون كالهباء وتسيَّر، وتزول عن أماكنها وتبقى الأرض خالية من ذلك، ثم قال سبحانه: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ ، في ذلك اليوم يوم القيامة يوم الحشر، يوم الجمع، يوم التغابن فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ يعني من ثقلت موازينه بالحسنات، والأعمال الصالحة، فهو في عيشة راضية يعني فله السعادة والخير العظيم، وسوف يكون إلى الجنة في عيشة راضية، في نعيم مقيم وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ بسبب كفره وضلاله وعدم إيمانه، فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ يعني النار نعوذ بالله، ولهذا قال بعدها: وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ ، هذه عاقبة هؤلاء وهؤلاء، عاقبة أهل الحسنات الجنة والكرامة، إذا ثقلت موازينهم بها، وخفت موازين السيئات، وعاقبة الكفار ومن خفت موازينهم من أهل المعاصي، بسبب معاصيهم الكثيرة، حتى ثقلت موازينهم السيئة، وخفت موازين الحسنات، فالوعيد لهم النار، نسأل الله العافية، لكن الكفار يخلدون في النار أبد الآباد، أمَّا العصاة فلا يخلدون ، إن دخلوا النار بسبب معاصيهم لا يخلدون، وقد تثقل موازين بعضهم بحسنات، فينجون من النار، ويغفر لهم ما جرى منهم من معصية، وقد يشفع لهم الأنبياء والأخيار والأفراط والملائكة ؛ لأعمالهم العظيمة الصالحة، وإيمانهم بالله فينجون من شر ما ماتوا عليه من بعض المعاصي وكثير من العصاة يدخلون النار بمعاصيهم من الزنى والسرقة، أو الخمر أو العقوق للوالدين، أو أحدهما أو الربا والنميمة أو غير هذا من المعاصي، كثير من هؤلاء العصاة يدخلون النار، ويعذبون فيها على قدر معاصيهم، ثم يشفع فيهم الشفعاء، فيخرج الله منهم من شاء سبحانه وتعالى، بشفاعة نبينا صلى الله عليه وسلم، وبشفاعة الملائكة والمؤمنين والأفراط، ثم يبقى منهم بقية في النار يخرجهم الله برحمته، سبحانه وتعالى بعد انتهاء أمد عذابهم، ولا يبقى في النار إلاَّ الكفار، وعليهم تطبق وفيها يخلدون، نعوذ بالله وليس لهم محيص عنها، كما قال عز وجل، في شأن الكفرة: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ نسأل الله العافية، وقال فيهم أيضًا سبحانه وتعالى: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ هذه حال الكفرة، أمَّا العصاة فلهم أمد، إذا دخلوا النار، لهم أمد، على قدر معاصيهم فإذا انتهى الأمد، أخرجهم الله من النار إلى الجنة، بسبب توحيدهم وإيمانهم الذي ماتوا عليه، هذا قول أهل السنة والجماعة، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأتباعهم بإحسان خلافًا لأهل البدع، الذين يعتقدون خلود العصاة في النار، من الخوارج والمعتزلة ، ومن سار في طريقهم، نعوذ بالله من ذلك .

Icon