الفتاوى

الدعاء بقوله تعالى: {وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق}.
جاءتني رسالة على الواتس ، وأريد التأكد من صحتها ، نص الرسالة : " الآيه التي فيها العجب العجاب ( وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ) الإسراء/80 ، داوم على ذكر هذه الآية العظيمة عند دخولك أو خروجك من المنزل ، وعند دخولك مكان عملك ، وفي الأسواق ، في كل يوم تفكر فيه بالخروج ، أو الدخول ، أو أي مكان ترغب في الذهاب إليه ، تذكرها دائما ورددها ، ستجد العجب العجاب ، والتيسير والتوفيق من الله عز وجل ، والنصر والحماية والتأييد من الله تعالى ، أثناء ترديدك لهذه الآية في كل مكان تذهب إليه ستجد ثمرة عظيمة ، لا تقف هذه الآية عندك وحسب ، بل أرسلها لجميع الحبايب ، وبفضل الله سترون سر تأثيرها العجيب ، اللهم إجعلها صدقة جاريه عنى ، وعن والدينا ، وعن كل من أعاد إرسالها " .

الإجابة

الحمد لله 

أولًا:

ذكر أهل العلم أن قوله تعالى :   وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ   الإسراء/ 80 ، نزل في خروج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، ودخوله المدينة .

ومعنى ذلك : أن الله جل جلاله، علم نبيه صلى الله عليه وسلم: أَن يدعوه بأَن يخرجه من دار المشركين، دار الإِيذاء والغدر، وأَن يُدخله موطنا للطمأنينة والأمن ؛ فدعا ربه كما أَمره ، فأَخرجه من مكة ، وأَدخله المدينة.

وقد روى الترمذي هذا المعنى عن ابن عباس ، قال: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكة ، ثم أمر بالهجرة فنزلت ".

وقال الضحاك: "هو خروجه من مكة مهاجرًا، ودخوله مكة يوم الفتح آمِنًا " .

وتقديم الإِدخال في الآية ، على الإِخراج ، مع أَن إخراجه من مكة أَسبق من إدخاله فيها بعد ذلك: لأن إِدخاله فيها هو الهدف المقصود"  انتهى، بتصرف يسير، من " التفسير الوسيط "، مجمع البحوث الإسلامية : (5/793).

وهو اختيار الطبري وابن كثير، وهو الصحيح في معنى الآية .

انظر: " تفسير الطبري " (15/ 57)، و "تفسير ابن كثير" (5/111).

ثانيًا:

أما تعميم هذه الآية في الدعاء ، بعد معرفة معناها الأصلي : فلا يظهر به بأس ؛ ويكون ذلك نوعا من الاقتباس من أدعية القرآن الكريم. ومعناه: أن يجعل الله أمر الإنسان قائمًا على الصدق.

وقد قال بعض أهل التفسير بعموم الآية. قال ابن عطية رحمه الله : " ظاهر هذه الآية ، والأحسن فيها: أن يكون دعاءً في أن يحسن الله حالته ، في كل ما يتناول من الأمور ، ويحاول من الأسفار والأعمال ، وينتظر من تصرف المقادير ، في الموت والحياة؛ فهي على أتم عموم "  انتهى من " التفسير " (3/ 479).

وقال " السعدي " في " التفسير " (464): " وقوله: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ أي: اجعل مداخلي ومخارجي كلها في طاعتك ، وعلى مرضاتك، وذلك لتضمنها الإخلاص وموافقتها الأمر .

( وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا ) أي: حجة ظاهرة، وبرهانًا قاطعًا على جميع ما آتيه، وما أذره.

وهذا أعلى حالة ينزلها الله العبد ، أن تكون أحواله كلها خيرًا، ومقربة له إلى ربه، وأن يكون له -على كل حالة من أحواله- دليل ظاهر، وذلك متضمن للعلم النافع، والعمل الصالح، للعلم بالمسائل والدلائل ". انتهى.

وقد روى ابن أبي شيبة (25821) أن عمر بن عبد العزيز كان إذا دخل بيتًا، قال: "  بسم الله والحمد لله ولا قوة إلا بالله، والسلام على نبي الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وأدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا، وهب لي من لدنك رحمة، إنك أنت الوهاب.

اللهم احفظني من فوقي أن أختطف، ومن تحت رجلي أن يخسف بي، وعن يميني وعن شمالي من الشيطان الرجيم ".

ثالثا:

إذا تبين ما ذكرناه ، من أن أكثر أهل العلم على أن معنى الآية إنما كان في مخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ، وهجرته إلى رب العالمين، من دار الكفر إلى دار الإسلام ، وأن الدعاء بمثل ذلك عند الخروج من المنزل أو غيره من الأمور : إنما هو من باب الإشارة ، أو العموم المعنوي، عند بعض أهل العلم ؛ فما ذكر في السؤال من فضائل خاصة لهذا الدعاء ، أو أن من قاله وجد كذا ، أو حصل له كذا : كل ذلك من التكلف ، والقول على الله بغير علم ، بل هو إلى الكذب على الشريعة المطهرة أقرب ؛ فيدخل صاحبه في التكلف والفرية ، والقول على الله بغير علم ، وهو يحسب أنه محسن ، ودال للناس على الخير .

وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم دعاء الخروج من المنزل ، الذي سنه لنا ، وبين لنا ما فيه من الفضيلة :

فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:  إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ ، لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ: يُقَالُ حِينَئِذٍ: هُدِيتَ، وَكُفِيتَ، وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ؟  .

رواه أبو داود (5090) ، والترمذي (3426)، وصححه الألباني.

وفي رواية للترمذي (3427) وغيره : عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ:  بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ، أَوْ نَضِلَّ، أَوْ نَظْلِمَ، أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا  .

قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ" وصححه الألباني، وفيه انقطاع بين الشعبي وأم سلمة.

وقد سبق في الموقع بيان ما يقوله الرجل إذا دخل بيته . انظر جواب السؤال رقم : (222875) .

وحاصل ذلك:

أن دعاء الخروج من المنزل ، والدخول إليه : مأثور ، ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، على الوجه الصحيح ، فلا ينبغي أن يعدل العاقل عما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم ، وأرشدنا إليه، وما ثبتت لنا فضيلته ، إلى دعاء من عنده باجتهاده ، أو اجتهاد غيره ، وغاية ما يكون في ذلك الدعاء : أن يكون سائغا مشروعا ؛ لكن لا يكون بديلا للمشروع ، بل ولا نظيرا له ، وإنما يقول المرء في بعض الأحيان ، وإذا علم الناس أو دعاهم ، فليكن تعليمه ودعوته ، لما ثبتت فضيلته ، ومشروعيته ، وما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته .

والله أعلم 

Icon