الإجابة
الحمد لله
أولا:
قال الإمام ابن مالك في الألفية :
بعِّضْ وبيِّنْ وابتدئ في الأمكنة * بـ(مِنْ)، وقد تأتي لبدء الأزمنة
وزيد في نفيٍ وشِبْهِهِ، فجَرّ * نكرةً، كـ: ما لباغٍ من مفرْ
وحاصل ذلك: أن حرف الجر " من " يأتي للتبعيض تارة، ولبيان الجنس تارة أخرى، ولغيرهما من المعاني . قال صاحب "الكناش" :
" أما من فتكون للتبعيض ، وللبيان ، وللابتداء :
فالتي للتبعيض : هي التي يحسن مكانها (بعض) نحو: أخذت من الدّراهم.
والتي للتبيين، هي التي يحسن مكانها (الذي) ، نحو قوله تعالى: ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثان ) الحج/30 ...
وتقع من زائدة ، وتعرف بأنّك لو حذفتها لكان المعنى الأصلي على حاله ، ولا يفوت بحذفها سوى التأكيد" انتهى من "الكناش في النحو والصرف" (2/ 74).
ثانيا:
وأما الآية المذكور في السؤال ، فهي قول الله جل وعلا : وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ فصلت/50 .
وأقرب ما تحمل عليه ( من ) في قوله تعالى : وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ : أنها لبيان الجنس ، لأن العذاب الغليظ هو ما يقبلون على ذوقه يوم القيامة . ويكون المراد منها ، بعد ما ذكر أنها يذوقون: بيان ما الذي يذوقونه في هذا اليوم .
وقد أعربها تبعيضية د. فخر الدين قباوة، في كتابه: " المفصل في تفسير القرآن "، (1704)، قال: " ومن للتبعيض، تتعلق بصفة محذوفة للمفعول الثاني المقدر، أي: شيئًا كائنًا " انتهى .
وعلى ذلك يكون المعنى: للتهويل، فإن عذاب الله عظيم، ولكل واحد من أهل النار نصيب منه، أعاذنا الله من عذابه .
والله أعلم.