الفتاوى

هل الحكمة في قوله تعالى: {يؤت الحكمة من يشاء} خاصة بالأنبياء ؟
قال الله في القرآن (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ)، هل هي في الأنبياء فقط ؟

الإجابة

الحمد لله 

أولًا:

المراد بالحكمة في قوله تعالى:  يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ  البقرة/269 ، المراد بها: الإصابة في القول والفعل، فإن الله يهدي إليها من يشاء من عباده ، ومن يؤتَ الإصابة في ذلك منهم ، فقد أوتي خيرا كثيرا.

يقول السعدي: " ... من آتاه الله الحكمة فقد آتاه خيرا كثيرا .

وأي خير أعظم من خير : فيه سعادة الدارين والنجاة من شقاوتهما!

وفيه التخصيص بهذا الفضل ، وكونه من ورثة الأنبياء ؟!

فكمال العبد متوقف على الحكمة، إذ كماله بتكميل قوتيه العلمية والعملية .

فتكميل قوته العلمية : بمعرفة الحق ، ومعرفة المقصود به .

وتكميل قوته العملية : بالعمل بالخير ، وترك الشر .

وبذلك يتمكن من الإصابة بالقول والعمل ، وتنزيل الأمور منازلها في نفسه وفي غيره . وبدون ذلك ، لا يمكنه ذلك .

ولما كان الله تعالى قد فطر عباده على عبادته ، ومحبة الخير ، والقصد للحق ؛ فبعث الله الرسل مذكرين لهم بما ركز في فطرهم وعقولهم ، ومفصلين لهم ما لم يعرفوه ؛ انقسم الناس قسمين :

قسم أجابوا دعوتهم ، فتذكروا ما ينفعهم ففعلوه ، وما يضرهم فتركوه، وهؤلاء هم أولو الألباب الكاملة، والعقول التامة .

وقسم لم يستجيبوا لدعوتهم، بل أجابوا ما عرض لفطرهم من الفساد ، وتركوا طاعة رب العباد، فهؤلاء ليسوا من أولي الألباب، فلهذا قال تعالى: وما يذكر إلا أولو الألباب " انتهى من "تفسير السعدي" (115).

ثانيًا:

والذي تدل عليه نصوص الصحابة والتابعين، أن الحكمة هنا عامة، تشمل الأنبياء وغيرهم، فقد ورد عن السلف في الحكمة أقوال:

1- أنها القرآن والفقه به، عن ابن عباس، في قوله:  وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا  البقرة/ 269 " يعني المعرفة بالقرآن ، ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله " .

وعن قتادة قوله:  يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا   البقرة/269

" والحكمة: الفقه في القرآن "، وعن أبي العالية: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا البقرة/269 قال: "الكتاب والفهم فيه".

بل قال مجاهد: "ليست بالنبوة، ولكنه القرآن والعلم والفقه" .

2- وقال آخرون: "معنى الحكمة الإصابة في القول والفعل" .

3- وقال آخرون: "هي العلم بالدين" .

4- وقال آخرون: الحكمة: "الفهم" .

5- وقال آخرون: الحكمة: "الخشية" .

6- وقال آخرون: هي "النبوة" .

والصحيح: أن هذه القوال متقاربة، والآية تحتمل كل هذه الأقوال، لأن الإصابة في الأمور إنما تكون عن فهم بها وعلم ومعرفة، وإذا كان ذلك كذلك ، كان المصيب عن فهم منه بمواضع الصواب في أموره ، فهما خاشيا لله : فقيها عالما، وكانت النبوة من أقسامه؛ لأن الأنبياء مسددون مفهمون، وموفقون لإصابة الصواب في بعض الأمور، والنبوة بعض معاني الحكمة.

فتأويل الكلام: يؤتي الله إصابة الصواب في القول والفعل من يشاء، ومن يؤته الله ذلك فقد آتاه خيرا كثيرا .

انظر: "تفسير الطبري"(5/ 12).

قال ابن كثير: " والصحيح أن الحكمة -كما قاله الجمهور -لا تختص بالنبوة ، بل هي أعم منها، وأعلاها النبوة، والرسالة أخص ، ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع " انتهى من "تفسير ابن كثير"(1/ 701).


والله أعلم 

Icon