الفتاوى

كيف بقي الرجل الذي ورد ذكره في آية ( فأماته الله مائة عام ثم بعثه ) مخفياً عن الناس؟
في قصة العزير أود أن أسأل عندما أمات الله العزير ، هل أماته وهو قائم في مكانه ومكث 100عام ؟ وهل لم يمر أحد في هذا المكان ليرى أن هناك رجلا ميت وبجانبه حماره وهو ميت أيضا ؟ أم أن الله خبأه عن أعين الناس فلا يبصرونه لحكمته جلا وعلا ؟ أم أن هناك تفسير آخر؟

الإجابة

الحمد لله

أولا:

قال الله تعالى:

( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة (259).

في القول المشهور عند أهل التفسير : أن هذا الرّجل المار هو عزير، وقيل غيره .

وأما القرية فالقول المشهور أنها بيت المقدس بعد تخريب بختنصر لها.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

"  اختلفوا في هذا المار من هو؟ فروى ابن أبي حاتم عن عصام بن رواد، عن آدم بن أبي إياس، عن إسرائيل عن أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي بن أبي طالب أنه قال: هو عزير.

ورواه ابن جرير، عن ناجية نفسه. وحكاه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وسليمان بن بريدة وهذا القول هو المشهور...

وأما القرية: فالمشهور أنها بيت المقدس، مر عليها بعد تخريب بختنصر لها وقتل أهلها " انتهى. "تفسير ابن كثير" (1 / 687 - 688).

لكن لم يقم دليل من الخبر الصحيح ، يقطع بذلك.

قال الطبري رحمه الله تعالى:

" ولا بيان عندنا من الوجه الذي يصح من قِبَله البيان عن اسم قائل ذلك، وجائز أن يكون عزيرا، وجائز أن يكون إرميا .

ولا حاجة بنا إلى معرفة اسمه، إذ لم يكن المقصود بالآية تعريف الخلق اسم قائل ذلك، وإنما المقصود بها تعريف المنكرين قدرة الله على إحيائه خلقه بعد مماتهم، وإعادته إيّاهم بعد فنائهم، وأنه الذي بيده الحياة والموت، من قريش ، ومن كان يكذب بذلك من سائر العرب، وتثبيت الحجة بذلك على من كان بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهود بني إسرائيل، بإطلاعه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم على ما يزيل شكهم في نبوته، ويقطع عذرهم في رسالته، إذ كانت هذه الأنباء التي أوحاها الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه ، من الأنباء التي لم يكن يعلمها محمد صلى الله عليه وسلم وقومه، ولم يكن علم ذلك إلا عند أهل الكتاب، ولم يكن محمد صلى الله عليه وسلم وقومه منهم، بل كان أميا وقومه أميون .

فكان معلوما بذلك -عند أهل الكتاب من اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجره- أن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يعلم ذلك إلا بوحي من الله تعالى ذكره إليه .

ولو كان المقصود بذلك الخبر عن اسم قائل ذلك، لكانت الدلالة منصوبة عليه نصبا يقطع العذر، ويزيل الشك، ولكن القصد كان إلى ذم قيله، فأبان ذلك جلّ ثناؤه لخلقه.

واختلف أهل التأويل في القرية التي مر عليها القائل: ( أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا ) :

فقال بعضهم: هي بيت المقدس ...

والصواب من القول في ذلك كالقول في اسم القائل: ( أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا )، سواء لا يختلفان " انتهى، من "تفسير الطبري" (4 / 581 - 584).

ثانيا:

ما ذكره السائل في سؤاله : هو من هذا الجنس الذي قال عنه الإمام الطبري ، وغيره من الأئمة: لا حاجة بنا إلى العلم به ، وليس في الجهل به تضييع لفريضة ولا فضيلة ، ولا في العلم به إدراك لشيء من ذلك ؛ بل هو أقرب إلى مسالك التكلف ، والانشغال بما لا طائل وراءه .

يقول الإمام الطبري رحمه الله ، في ذكر اختلاف القائلين : في مبلغ الثمن الذي بيع به يوسف عليه السلام :

" والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر أنهم باعُوه بدراهم معدودة غير موزونة، ولم يحدَّ مبلغَ ذلك بوزن ولا عدد، ولا وضع عليه دلالة في كتاب ولا خبر من الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد يحتمل أن يكون كان عشرين = ويحتمل أن يكون كان اثنين وعشرين = وأن يكون كان أربعين، وأقل من ذلك وأكثر، وأيُّ ذلك كان، فإنها كانت معدودة غير موزونة ; وليس في العلم بمبلغ وزن ذلك فائدة تقع في دين، ولا في الجهل به دخول ضرّ فيه. والإيمان بظاهر التنزيل فرضٌ، وما عَداه فموضوعٌ عنا تكلُّفُ علمه." انتهى، من "تفسير الطبري" (15/16) .

وبحسب المسلم من ذلك أن يقف على محل الحجة والشاهد في الآيات ، وموطن العبرة والعظة في القصة ، ويتدبر معنى  ما قص الله على عباده من ذلك .

والله أعلم . 

Icon