الإجابة
الحمد لله
أولًا:
إن من أعظم خصائص خطاب الله تعالى لأصناف الناس في القرآن التنوع ، فتجد الترغيب
والترهيب، والوعد والوعيد، وتجد خطاب العامة والخاصة، وغيرها من وجوه الفصاحة
والبلاغة.
ومن ذلك خطاب الله تعالى لأهل الكتاب في القرآن ، فقد تنوع الخطاب القرآني لأهل
الكتاب بين الترغيب والترهيب ، فتارة يدعوهم إلى التوبة والاستغفار، وتارة يحذرهم
من العقاب ويخوفهم من مصيرهم وجزاءهم إن هم استمروا على كفرهم ، وأصروا على عدوانهم
.
ثانيًا:
الذي يظهر ، والله أعلم ، في الفرق بين خطاب الله تعالى الوارد في سورة المائدة،
وخطابه الوارد في سورة مريم، ما يلي:
أن الخطاب في سورة المائدة أتى ردًا على قولهم: ( نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ
وَأَحِبَّاؤُهُ ) المائدة/18.
وقولهم هذا يحتمل أمورا :
إما أنهم أرادوا أنه - تعالى - : في بره ورحمته وعطفه على عباده الصالحين ، كالأب
الرحيم لولده.
أو أنهم أرادوا بذلك أنهم أبناء رسل الله ، فذكروا ذلك ، من باب حذف المضاف .
وبالجملة: فإنهم رأوا لأنفسهم فضلا، فرد الله عليهم قولهم ، فقال ( فلم يعذبكم
بذنوبكم ) .
ينظر: "تفسير القرطبي"(6/ 120).
وقوله تعالى: ( بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ) المائدة/ 18،
يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم: ليس الأمر كما زعمتم أنكم
أبناء الله وأحباؤه ، بل أنتم بشر ممن خلق، يقول: خلق من بني آدم ، خلقكم الله مثل
سائر بني آدم ، إن أحسنتم جوزيتم بإحسانكم ، كما سائر بني آدم مجزيون بإحسانهم ،
وإن أسأتم جوزيتم بإساءتكم ، كما غيركم مجزي بها ، ليس لكم عند الله إلا ما لغيركم
من خلقه ، فإنه يغفر لمن يشاء من أهل الإيمان به ذنوبه ، فيصفح عنه بفضله ، ويسترها
عليه برحمته ، فلا يعاقبه بها ...
( ويعذب من يشاء) البقرة/284 ، يقول: " ويعدل على من يشاء من خلقه ، فيعاقبه على
ذنوبه ، ويفضحه بها على رءوس الأشهاد ، فلا يسترها عليه .
وإنما هذا من الله عز وجل : وعيد لهؤلاء اليهود والنصارى ، المتَّكِلين على منازل
سلفهم الخيار عند الله ، الذين فضلهم الله بطاعتهم إياه ، واجتنابهم معصيته ،
لمسارعتهم إلى رضاه ، واصطبارهم على ما نابهم فيه.
يقول لهم: لا تغتروا بمكان أولئك مني ، ومنازلهم عندي ، فإنهم إنما نالوا مني
بالطاعة لي ، وإيثار رضاي على محابهم ، لا بالأماني ، فجِدُّوا في طاعتي ، وانتهوا
إلى أمري ، وانزجروا عما نهيتهم عنه ، فإني إنما أغفر ذنوب من أشاء أن أغفر ذنوبه
من أهل طاعتي ، وأعذب من أشاء تعذيبه من أهل معصيتي ، لا لمن قربت زلفة آبائه مني ،
وهو لي عدو ، ولأمري ونهيي مخالف" انظر" جامع البيان"(8/ 271 - 272).