وآياتها ثمان. كلماتها : ٣٦. حروفها : ١٥٢
ﰡ
﴿ التكاثر ﴾ الحرص على طلب العرض الكثير الأكثر ؛ أو المفاخرة، والمباهاة.
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ ألهاكم التكاثر ( ١ ) حتى زرتم المقابر ( ٢ ) كلا سوف تعلمون ( ٣ ) ثم كلا سوف تعلمون ( ٤ ) كلا لو تعلمون علم اليقين ( ٥ ) لترون الجحيم ( ٦ ) ثم لترونها عين اليقين ( ٧ ) تم لتسألن يومئذ عن النعيم ( ٨ ) ﴾.
تنعى الآيتان الكريمتان في مفتتح السورة المباركة على الغافلين غفلتهم وشغلهم، ولهوهم ونسيانهم. والمراد : ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم، منفقين أعماركم في طلب الدنيا، والاشتياق إليها، والتهالك عليها، إلى أن أتاكم الموت، لا هم لكم غيرها عما هو أبلى بكم من السعي لعاقبتكم، والعمل لآخرتكم... وزيارة المقابر عليه- عبارة عن الموت- ١ أو تباروا في الكثرة، وتنافس بعضهم مع بعض، فتباهوا بالأحياء، ثم انتقلوا إلى ذكر من في القبور تفاخرا على الآخرين. في صحيح مسلم عن مطرف عن أبيه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ٢ :﴿ ألهاكم التكاثر ﴾ قال : يقول ابن آدم : مالي مالي ! وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت "، وفي رواية أبي هريرة بزيادة :" وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس " ؛ وروى البخاري عن ابن شهاب : أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لو أن لابن آدم واديا من ذهب لأحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ". [ لم يأت في التنزيل ذكر المقابر إلا في هذه السورة ؛ وزيارتها من أعظم الدواء٣ للقلب القاسي ؛ لأنها تذكر الموت والآخرة ؛ وذلك يحمل على قصر الأمل، والزهد في الدنيا، وترك الرغبة فيها ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم :" كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروا القبور، فإنها تزهد في الدنيا، وتذكر الآخرة "، رواه ابن مسعود، أخرجه ابن ماجه. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة :" فإنها تذكر الموت "، وفي الترمذي عن بريدة :" فإنها تذكر الآخرة "، قال : هذا حديث حسن صحيح، وفيه عن أبي هريرة :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور "... وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور ؛ فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء..
قلت : زيارة القبور للرجال متفق عليه عند العلماء، مختلف فيه للنساء ؛ أما الشواب فحرام عليهن الخروج، وأما القواعد فمباح لهن ذلك، وجائز لجميعهن، ذلك إذا انفردن بالخروج عن الرجال ؛ ولا يختلف في هذا إن شاء الله ؛ وعلى هذا المعنى يكون قوله :" زوروا القبور " عاما ؛ وأما موضع أو وقت يخشى فيه الفتنة من اجتماع الرجال والنساء فلا يحل ولا يجوز ؛ فبينا الرجل يخرج ليعتبر، فيقع بصره على امرأة فيفتتن، وبالعكس ؛ فيرجع كل واحد من الرجال والنساء مأزورا غير مأجور ؛ والله أعلم ]٤.
﴿ ألهاكم التكاثر ( ١ ) حتى زرتم المقابر ( ٢ ) كلا سوف تعلمون ( ٣ ) ثم كلا سوف تعلمون ( ٤ ) كلا لو تعلمون علم اليقين ( ٥ ) لترون الجحيم ( ٦ ) ثم لترونها عين اليقين ( ٧ ) تم لتسألن يومئذ عن النعيم ( ٨ ) ﴾.
تنعى الآيتان الكريمتان في مفتتح السورة المباركة على الغافلين غفلتهم وشغلهم، ولهوهم ونسيانهم. والمراد : ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم، منفقين أعماركم في طلب الدنيا، والاشتياق إليها، والتهالك عليها، إلى أن أتاكم الموت، لا هم لكم غيرها عما هو أبلى بكم من السعي لعاقبتكم، والعمل لآخرتكم... وزيارة المقابر عليه- عبارة عن الموت- ١ أو تباروا في الكثرة، وتنافس بعضهم مع بعض، فتباهوا بالأحياء، ثم انتقلوا إلى ذكر من في القبور تفاخرا على الآخرين. في صحيح مسلم عن مطرف عن أبيه قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ٢ :﴿ ألهاكم التكاثر ﴾ قال : يقول ابن آدم : مالي مالي ! وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت "، وفي رواية أبي هريرة بزيادة :" وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس " ؛ وروى البخاري عن ابن شهاب : أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لو أن لابن آدم واديا من ذهب لأحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ". [ لم يأت في التنزيل ذكر المقابر إلا في هذه السورة ؛ وزيارتها من أعظم الدواء٣ للقلب القاسي ؛ لأنها تذكر الموت والآخرة ؛ وذلك يحمل على قصر الأمل، والزهد في الدنيا، وترك الرغبة فيها ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم :" كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروا القبور، فإنها تزهد في الدنيا، وتذكر الآخرة "، رواه ابن مسعود، أخرجه ابن ماجه. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة :" فإنها تذكر الموت "، وفي الترمذي عن بريدة :" فإنها تذكر الآخرة "، قال : هذا حديث حسن صحيح، وفيه عن أبي هريرة :" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور "... وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور ؛ فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء..
قلت : زيارة القبور للرجال متفق عليه عند العلماء، مختلف فيه للنساء ؛ أما الشواب فحرام عليهن الخروج، وأما القواعد فمباح لهن ذلك، وجائز لجميعهن، ذلك إذا انفردن بالخروج عن الرجال ؛ ولا يختلف في هذا إن شاء الله ؛ وعلى هذا المعنى يكون قوله :" زوروا القبور " عاما ؛ وأما موضع أو وقت يخشى فيه الفتنة من اجتماع الرجال والنساء فلا يحل ولا يجوز ؛ فبينا الرجل يخرج ليعتبر، فيقع بصره على امرأة فيفتتن، وبالعكس ؛ فيرجع كل واحد من الرجال والنساء مأزورا غير مأجور ؛ والله أعلم ]٤.
﴿ كلا سوف تعلمون( ٣ ) ثم كلا سوف تعلمون( ٤ ) ﴾ ليس الأمر على ما أنتم عليه من التفاخر والتكاثر، لكن سوف تعلمون عاقبة هذا، ثم سينكشف لكم حصاد تلهيكم ونسيانكم ومباهاتكم ؛ قال مجاهد : وعيد بعد وعيد. اه، وهو تغليظ وتوكيد ؛ قال ابن عباس :﴿ كلا سوف تعلمون ﴾ ما ينزل بكم من العذاب في القبر ؛ ﴿ ثم كلا سوف تعلمون ﴾ في الآخرة ! إذا حل بكم العذاب. اه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥:﴿ كلا لو تعلمون علم اليقين. ( ٥ ) لترون الجحيم( ٦ ) ﴾ وتكرار ﴿ كلا ﴾ يفيد التوكيد، والمبالغة في الزجر والتنبيه ؛ لو تعلمون اليوم من هول البعث ما سيكون، ومن عظم الجزاء ما إليه تصيرون، لتجلت لكم حقيقة جهنم كأنما تقاسون من حرها، لا تتمارون في وجودها، ولا تتوانون في توقي لفحها وسمومها، جواب قسم مضمر أكد به الوعيد، وشدد به التهديد، وأوضح به ما أنذروه بعد إبهامه تفخيما، ولا يجوز أن يكون جواب لو الامتناعية لأنه محقق الوقوع، وجوابها لا يكون كذلك ؛ وقيل : يجوز، ويكون المعنى : سوف تعلمون الجزاء، ثم قال سبحانه : لو تعلمون الجزاء علم اليقين الآية ﴿ لترون الجحيم ﴾ يعني : تكون الجحيم دائما في نظركم لا تغيب عنكم، وهو كما ترى ﴿ ثم لترونها ﴾ تكرير للتأكيد، و﴿ ثم ﴾ للدلالة على الأبلغية، وجوز أن تكون الرؤية الأولى :﴿ إذا رأتهم من مكان بعيد ﴾ والثاني : إذا ورودها أو إذا دخلوها.. ﴿ عين اليقين ﴾ أي الرؤية التي هي نفس اليقين، فإن الانكشاف بالرؤية والمشاهدة فوق سائر الانكشافات، فهو أحق بأن يكون عين اليقين١.
﴿ ثم لتسألن يومئذ عن النعيم( ٨ ) ﴾ ثم لتسألن معاشر المكلفين، يوم تعرضون على الملك الحق المبين، عما متعتم به في حياتكم، أشكرتموه أم كنتم من البطرين ؟ ! يسأل المؤمنون سؤال تبشير، ويُسأل الكافرون الجاحدون سؤال تخسير وتحسير.
قال القشيري :.. الكل يُسألون، ولكن سؤال الكافر توبيخ ؛ لأنه قد ترك الشكر ؛ وسؤال المؤمن تشريف ؛ لأنه شكر، وهذا النعيم في كل نعمة اه. أقول : وبهذا يفهم ما يمكن أن يكون مرادا من السؤال الذي جاء في الحديث الشريف الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر ؛ فقال : " ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة " ؟ قالا : الجوع يا رسول الله، قال : " وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما قوما " فقاما معه ؛ فأتى رجلا من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأته المرأة قالت : مرحبا وأهلا ؛ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أين فلان " ؟ قالت : يستعذب لنا من الماء ؛ إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال : الحمد لله ؛ ما أحد اليوم أكرم أضيافا مني، قال : فانطلق، فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال : كلوا من هذه، وأخذ المدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياك والحلوب " فذبح لهم، فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العذق، وشربوا ؛ فلما أن شبعوا ورووا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : " والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم " ١، خرجه الترمذي، وقال فيه : " هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة : ظل بارد، ورطب طيب، وماء بارد "، وكنى الرجل الذي من الأنصار، فقال : أبو الهيثم بن التيهان ؛ وذكر قصته ؛ قالوا : واسم هذا الرجل : مالك.