تفسير سورة سورة قريش من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
.
لمؤلفه
ابن عجيبة
.
المتوفي سنة 1224 هـ
مكية، وهي أربع آيات. ومناسبتها : أنه ما فعل بأصحاب الفيل إلا لحفظ قريش، ولذلك امتن عليهم، وأمرهم بشكر هذه النعمة، فقال :
بسم الله الرحمان الرحيم :
﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾*﴿ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ﴾*﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ﴾*﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾.
بسم الله الرحمان الرحيم :
﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾*﴿ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ﴾*﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ ﴾*﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾.
ﰡ
ﭑﭒ
ﰀ
قلت :( لإيلافِ ) : متعلق بقوله :" فليعبدوا "، والفاء لِما في الكلام من معنى الشرط، إذ المعنى : أنَّ نعم الله تعالى على قريش غير محصورة، فإن لم يَعبدوا لسائر نِعَمه فليعبدوا لإيلافهم الرحلتين، وجاز أن يعمل ما بعد الفاء فيما قبلها ؛ لأنها زائدة غير عاطفة، ولو كانت عاطفة لم يجز التقديم، وقيل : يتعلق بمُضمر، أي : فعلنا ما فعلنا من إهلاك أصحاب الفيل لإيلاف قريش، وقيل : بما قبله من قوله :﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ( ٥ ) ﴾ [ الفيل : ٥ ]، ويؤيده : أنهما في مصحف " أُبيّ " سورة واحدة بلا فصل، والمعنى : أهلك مَن قصدهم مِن الحبشة ليتسامع الناس بذلك ؛ فيتهيبوا لهم زيادة تهيُّب، ويحترموهم فضل احترام، حتى ينتظم لهم الأمن في رحلتيهم.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ لإِيلافِ قريشٍ ﴾ أي : فلتعبد قريش رب هذا البيت لأجل إيلافهم الرحلتين، وكانت لقريش رحلتان، يرحلون في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتّجرون، وكانوا في رحلتهم آمنين ؛ لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته العزيز، فلا يُتَعرّض لهم، والناس بين مختطف ومنهوب. و( الإيلاف ) : مصدر، من قولهم : ألفت المكان إيلافاً وإلافاً وإلفاً. وقريش : ولد النضر بن كنانة، وقيل : ولد فهر بن مالك، سُمُّوا بتصغير القِرْش، وهو دابة عظيمة في البَحر، تعبث بالسفن فلا تطاق إلا بالنار، والتصغير للتفخيم، سُمُّوا بذلك لشدتهم ومنعتهم تشبيهاً بها. وقيل : مِن القَرْش، وهو الجمع والكسب ؛ لأنهم كانوا كسّابين بتجارتهم وضربهم في البلاد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: الإشارة : كما أمَّن اللهُ أهل بيته أمَّن أهل نسبته، فلا تجد فقيراً متجرداً إلاّ آمناً حيث ذهب، والناس يُختطفون من حوله. قلت : وقد رأينا هذا الأمر عامَ حصر " سلامة " على تطوان، فكان كل مَن خرج من تطوان يُنتهب أو يُقتل، ونحن نذهب حيث شئنا آمنين بحفظ الله، وهذا إذا لبسوا زي أهل النسبة، من المُرقَّعة والسبحة والعصا، فإن ترك زيَّه وأُخذ فقد ظلم نفسه، وقد ترك بعضُ الفقراء زيَّه، وسافر فتكشّط، فقال له شيخه : أنت فرَّطت، والمفرط أولى بالخسارة. هـ. ويُقال لأهل النسبة : فليعبدوا رَبَّ هذا البيت، أي : بيت الحضرة التي طلبتموها، أو : بيت النسبة التي سكنتم فيها، الذي أطعمكم من جوعٍ، حيثما توجتهم، مائدتكم منصوبة، وآمنكم من خوفٍ حيث سِرتم. والله تعالى أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ لإِيلافِ قريشٍ ﴾ أي : فلتعبد قريش رب هذا البيت لأجل إيلافهم الرحلتين، وكانت لقريش رحلتان، يرحلون في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام، فيمتارون ويتّجرون، وكانوا في رحلتهم آمنين ؛ لأنهم أهل حرم الله وولاة بيته العزيز، فلا يُتَعرّض لهم، والناس بين مختطف ومنهوب. و( الإيلاف ) : مصدر، من قولهم : ألفت المكان إيلافاً وإلافاً وإلفاً. وقريش : ولد النضر بن كنانة، وقيل : ولد فهر بن مالك، سُمُّوا بتصغير القِرْش، وهو دابة عظيمة في البَحر، تعبث بالسفن فلا تطاق إلا بالنار، والتصغير للتفخيم، سُمُّوا بذلك لشدتهم ومنعتهم تشبيهاً بها. وقيل : مِن القَرْش، وهو الجمع والكسب ؛ لأنهم كانوا كسّابين بتجارتهم وضربهم في البلاد.
وقوله تعالى :﴿ إِيلافهم رحلةَ الشتاءِ والصيف ﴾ بدل من الأول، أطلق الإيلاف، ثم أبدل منه المقيّد بالرحلتين تفخيماً لأمر الإيلاف، وتذكيراً لعظيم هذه النعمة. و " رحلة " : مفعول بإيلاف، وأراد رحلتي الشتاء والصيف، فأفرد لأمن الإلباس.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: الإشارة : كما أمَّن اللهُ أهل بيته أمَّن أهل نسبته، فلا تجد فقيراً متجرداً إلاّ آمناً حيث ذهب، والناس يُختطفون من حوله. قلت : وقد رأينا هذا الأمر عامَ حصر " سلامة " على تطوان، فكان كل مَن خرج من تطوان يُنتهب أو يُقتل، ونحن نذهب حيث شئنا آمنين بحفظ الله، وهذا إذا لبسوا زي أهل النسبة، من المُرقَّعة والسبحة والعصا، فإن ترك زيَّه وأُخذ فقد ظلم نفسه، وقد ترك بعضُ الفقراء زيَّه، وسافر فتكشّط، فقال له شيخه : أنت فرَّطت، والمفرط أولى بالخسارة. هـ. ويُقال لأهل النسبة : فليعبدوا رَبَّ هذا البيت، أي : بيت الحضرة التي طلبتموها، أو : بيت النسبة التي سكنتم فيها، الذي أطعمكم من جوعٍ، حيثما توجتهم، مائدتكم منصوبة، وآمنكم من خوفٍ حيث سِرتم. والله تعالى أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
﴿ فليعبدوا رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهم ﴾ بسبب تينك الرحلتين اللتين تمكنوا منها بواسطة كونهم من جيرانه، ﴿ من جوعٍ ﴾ شديد كانوا فيه قبلهما. قال الكلبي : أول مَن حمل السمراء من الشام، ورحل إليها : هاشم بن عبد مناف. ه. ولمّا بعث اللهُ نبيه، الذي هو نبي الرحمة، وأسلمت قريش، أراح اللهُ الناسَ من تعب الرحلتين، وجلبت إلى مكة الأرزاق من كل جانب، ببركة طلعته صلى الله عليه وسلم. قال مالك بن دينار : ما سقطت أُمة من عين الله إلاّ ضرب أكبادهم بالجوع. وكان عليه الصلاة والسلام يقول :" اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنه بئس الضجيع " ١. والمذموم هو الجوع المفرط، الذي لم يصحبه في الباطن قوة ولا تأييد، وإلاَّ فالجوع ممدوح عند الصوفية، أعني الوسط.
ثم قال تعالى :﴿ وآمنهم من خوف ﴾ أي : من خوف عظيم، وهو خوف أصحاب الفيل، أو : من خوف الناس في أسفارهم، أو : من القحط في بلدهم. وقيل : كان أصابتهم شدة حتى أكلوا الجِيَف والعظام المحرقة، فرفعه الله عنهم بدعوته صلى الله عليه وسلم، فهذا معنى :﴿ أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ﴾، وقيل : الجذام، فلا يصيبهم ببلدهم، وذلك بدعاء إبراهيم عليه السلام بقوله :﴿ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً ﴾ [ البقرة : ١٢٦ ] الآية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة: الإشارة : كما أمَّن اللهُ أهل بيته أمَّن أهل نسبته، فلا تجد فقيراً متجرداً إلاّ آمناً حيث ذهب، والناس يُختطفون من حوله. قلت : وقد رأينا هذا الأمر عامَ حصر " سلامة " على تطوان، فكان كل مَن خرج من تطوان يُنتهب أو يُقتل، ونحن نذهب حيث شئنا آمنين بحفظ الله، وهذا إذا لبسوا زي أهل النسبة، من المُرقَّعة والسبحة والعصا، فإن ترك زيَّه وأُخذ فقد ظلم نفسه، وقد ترك بعضُ الفقراء زيَّه، وسافر فتكشّط، فقال له شيخه : أنت فرَّطت، والمفرط أولى بالخسارة. هـ. ويُقال لأهل النسبة : فليعبدوا رَبَّ هذا البيت، أي : بيت الحضرة التي طلبتموها، أو : بيت النسبة التي سكنتم فيها، الذي أطعمكم من جوعٍ، حيثما توجتهم، مائدتكم منصوبة، وآمنكم من خوفٍ حيث سِرتم. والله تعالى أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله.
ثم قال تعالى :﴿ وآمنهم من خوف ﴾ أي : من خوف عظيم، وهو خوف أصحاب الفيل، أو : من خوف الناس في أسفارهم، أو : من القحط في بلدهم. وقيل : كان أصابتهم شدة حتى أكلوا الجِيَف والعظام المحرقة، فرفعه الله عنهم بدعوته صلى الله عليه وسلم، فهذا معنى :﴿ أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ﴾، وقيل : الجذام، فلا يصيبهم ببلدهم، وذلك بدعاء إبراهيم عليه السلام بقوله :﴿ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً ﴾ [ البقرة : ١٢٦ ] الآية.
١ أخرجه أبو داود في الوتر حديث ١٥٤٧، وابن ماجه في الأطعمة حديث ٣٣٥٤..