تفسير سورة سورة قريش من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
.
لمؤلفه
أبو بكر الحداد اليمني
.
المتوفي سنة 800 هـ
ﰡ
﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾ ؛ اختلَفُوا في هذه اللامِ المذكورة، قال بعضُهم : هي لام كَي أي " متعلق بـ "﴿ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ ﴾[الفيل : ٥] أو لِيُؤلِفَ قُرَيشاً.
ثم فسَّرَ الإيلافَ فقال تعالى :﴿ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ ﴾ ؛ أي ليؤلِفَهم رحلةَ الشِّتاء ورحلةَ الصيفِ. وإنما قال ذلكَ لأنَّهم لَمَّا خافوا من أبرهةَ، فتفرَّقوا في البلادِ، فمَنَّ الله عليهم فقهَرَ عدُوَّهم.
وكانت مكَّة بلداً لم يكن فيها زرعٌ ولا شجَر ؛ ولا رطبٌ، وكان معاشُ أهلها ما يُنقَلُ إليها، فأهلكَ اللهُ عدُوَّهم ليأْتَلِفُوا ؛ لأن تألِيفَ رحلةِ الشتاء والصيفِ في التجارة، ولولا تجارتُهم في هاتَين الرِّحلتين لاضطَرُّوا إلى الخروجِ والتفرُّق في البوادِي، فأرادَ اللهُ أن يكثُروا بمكَّة إلى أن يبعثَ اللهُ مُحَمَّداً ﷺ منهم نبيّاً إليهم وإلى غيرِهم.
وكان بعضُهم يعدُّ السُّورَتين سورةً واحدة، وقال سُفيان بن عيينة :((كَانَ لَنَا إمَامٌ لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَيَقْرَأهُمَا مَعاً)). وقال عمرُو بن مَيمون :((صَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّاب رضي الله عنه صَلاَة الْمَغْرِب، فَقَرَأ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى﴿ وَالتِّينِ ﴾[التين : ١]، وَفِي الثَّانِيَّةِ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ﴾[الفيل : ١] وَ ﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾. والمعنى : أنَّ هلاكَ أصحاب الفيل كان سَبباً لبقاءِ إيلافِ قُريش، ونظامِ حالهم.
وقريشٌ هم ولَدُ النَّضِرِ بن كِنَانَةَ، فمن وَلَدَهُ النَّضِرُ فهو قُرَشيٌّ، ومن لم يَلِدْهُ فليس بقرَشِيٍّ. وعن رسولِ الله ﷺ أنه قالَ :" إنَّ اللهَ اصْطََفَى بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشاً، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمَ " وسُمُّوا قُريشاً من التَّقْرِيشِ ؛ وهو التكسُّبُ والتقلب والجمعُ والطلب، وكانوا قَوماً تُجَّاراً على المالِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ ﴾ بدلٌ من الإيلافِ الأوَّل. واختلَفُوا في انتصاب (رحْلَةَ)، فقيل : انتصبَ على المصدر ؛ أي ارتِحالُهم رحلةً، وإنْ شئتَ نصَبتَهُ بوقوعِ (إيْلاَفِهِمْ) عليه، وإنْ شئتَ على الظَّرفِ.
واختلَفُوا في تفسيرِ رحلة الشتاء والصيف، فرُوي عن ابنِ عبَّاس قال :((كَانُوا يَشْتُونَ بمَكَّةَ، فأَمَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى أنْ يُقِيمُوا بالْحَرَمِ، وَيَعْبُدُوا رَبَّ هَذا الْبَيْتِ)). وَقِيْلَ : كانت لهم في السَّنة رحلَتان : إحدَاهُما في الشِّتاء إلى اليمنِ لأنَّها أدفأُ، والأُخرى في الصَّيف إلى الشَّام، وكان الحرَمُ جَدْباً لا زرعَ فيه ولا ضرعَ ولا شجرَ، وإنما كان قريشٌ يعيشُونَ بتجارتِهم ورحلَتِهم، وكان لا يتعرضُ له أحدٌ بسوءٍ، وكانت الناسُ تقول : سُكَّان حرمِ الله، فلولا الرِّحلتان لم يكن لأحدٍ بمكة مقامٌ، ولولا الأمنُ بجوار البيت لم يقدِرُوا على التصرُّف.
ثم فسَّرَ الإيلافَ فقال تعالى :﴿ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ ﴾ ؛ أي ليؤلِفَهم رحلةَ الشِّتاء ورحلةَ الصيفِ. وإنما قال ذلكَ لأنَّهم لَمَّا خافوا من أبرهةَ، فتفرَّقوا في البلادِ، فمَنَّ الله عليهم فقهَرَ عدُوَّهم.
وكانت مكَّة بلداً لم يكن فيها زرعٌ ولا شجَر ؛ ولا رطبٌ، وكان معاشُ أهلها ما يُنقَلُ إليها، فأهلكَ اللهُ عدُوَّهم ليأْتَلِفُوا ؛ لأن تألِيفَ رحلةِ الشتاء والصيفِ في التجارة، ولولا تجارتُهم في هاتَين الرِّحلتين لاضطَرُّوا إلى الخروجِ والتفرُّق في البوادِي، فأرادَ اللهُ أن يكثُروا بمكَّة إلى أن يبعثَ اللهُ مُحَمَّداً ﷺ منهم نبيّاً إليهم وإلى غيرِهم.
وكان بعضُهم يعدُّ السُّورَتين سورةً واحدة، وقال سُفيان بن عيينة :((كَانَ لَنَا إمَامٌ لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا وَيَقْرَأهُمَا مَعاً)). وقال عمرُو بن مَيمون :((صَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّاب رضي الله عنه صَلاَة الْمَغْرِب، فَقَرَأ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى﴿ وَالتِّينِ ﴾[التين : ١]، وَفِي الثَّانِيَّةِ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ﴾[الفيل : ١] وَ ﴿ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ ﴾. والمعنى : أنَّ هلاكَ أصحاب الفيل كان سَبباً لبقاءِ إيلافِ قُريش، ونظامِ حالهم.
وقريشٌ هم ولَدُ النَّضِرِ بن كِنَانَةَ، فمن وَلَدَهُ النَّضِرُ فهو قُرَشيٌّ، ومن لم يَلِدْهُ فليس بقرَشِيٍّ. وعن رسولِ الله ﷺ أنه قالَ :" إنَّ اللهَ اصْطََفَى بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشاً، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمَ " وسُمُّوا قُريشاً من التَّقْرِيشِ ؛ وهو التكسُّبُ والتقلب والجمعُ والطلب، وكانوا قَوماً تُجَّاراً على المالِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَآءِ وَالصَّيْفِ ﴾ بدلٌ من الإيلافِ الأوَّل. واختلَفُوا في انتصاب (رحْلَةَ)، فقيل : انتصبَ على المصدر ؛ أي ارتِحالُهم رحلةً، وإنْ شئتَ نصَبتَهُ بوقوعِ (إيْلاَفِهِمْ) عليه، وإنْ شئتَ على الظَّرفِ.
واختلَفُوا في تفسيرِ رحلة الشتاء والصيف، فرُوي عن ابنِ عبَّاس قال :((كَانُوا يَشْتُونَ بمَكَّةَ، فأَمَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى أنْ يُقِيمُوا بالْحَرَمِ، وَيَعْبُدُوا رَبَّ هَذا الْبَيْتِ)). وَقِيْلَ : كانت لهم في السَّنة رحلَتان : إحدَاهُما في الشِّتاء إلى اليمنِ لأنَّها أدفأُ، والأُخرى في الصَّيف إلى الشَّام، وكان الحرَمُ جَدْباً لا زرعَ فيه ولا ضرعَ ولا شجرَ، وإنما كان قريشٌ يعيشُونَ بتجارتِهم ورحلَتِهم، وكان لا يتعرضُ له أحدٌ بسوءٍ، وكانت الناسُ تقول : سُكَّان حرمِ الله، فلولا الرِّحلتان لم يكن لأحدٍ بمكة مقامٌ، ولولا الأمنُ بجوار البيت لم يقدِرُوا على التصرُّف.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـاذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ ﴾ ؛ الَّذي سبَّبَ أرزاقَهُم وأمنَهُم مِن خوفِ العدوِّ ومِن خوفِ الطريقِ. ويقالُ : أرادَ بالإطعامِ : أنَّ أهلَ مكة كانوا أصابَتهم سُنون كسِنيِّ يوسُف بدعاءِ النبيِّ ﷺ حتى أكَلُوا الجيفَ والعظامَ المحرَّقة، فأزالَ اللهُ عنهم الجوعَ وأمَّنَهم بعد ارتفاعِ ذلك من الْجُذامِ الذي يُبتلى به ذلك الوقت أهلُ البلدِ التي وراءَ مكَّة. وَقِيْلَ : معناهُ : لا يتعرض لهم أحدٌ في الجاهليَّة.